أرأيت قطرات الماء اللطيفة كيف تتجمع لتصبح تيارا جبارا متدفقا يشق طريقه بسرعة البرق ليخترق أصلب الجبال وأعتى الحواجز بإصرار لا يتوقف عند حائل أو سد؟ أفهل أمعنت النظر في أن هذا التيار على قوة اندفاعه الهائلة فإنه في جزيئات تكوينه لطيف سلس خفيف؟ فهكذا ينبغي أن يكون المهدويون الهادفون إلى إصلاح الشعوب إصلاحا يعجل في قيام قائم آل محمد أرواحنا وأرواح العالمين فداه. وهكذا عليهم أن يوازنوا بين القوة والصلابة والحزم؛ وبين اللطف واللين والرفق.
نحتاج إلى القوة لأنها تعاضد المبدأ وتصيب الهدف، وبدونها فلن نستطيع تحقيق ما نصبو إليه، وستظل أفكارنا العظيمة وطموحاتنا الواسعة رهن وجود فئة ظلت تكابد وتكابد دون جدوى، إلى أن يأتيها الأجل! وقبل ذلك فإننا نحتاج إلى القوة لأنها تساند الإيمان الحق، إذ يقول سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المؤمن القوي كالنخلة، ومثل المؤمن الضعيف كخامة الزرع"! ولذا نجد الله جل جلاله - الذي يؤكد في فرقانه العظيم على "أن القوة لله جميعا" - يرغبنا في أن نسأله استمداد القوة منه حيث نقرأ في الدعاء: "وأسألك القوة في طاعتك، والضعف في معصيتك".
يقول السيد إمام المظلومين أعلى الله درجاته: "كل مبدأ كانت بيده القوة كان هو المبدأ الزاحف إلى الأمام، وفي أي يوم صارت القوة فيه بيد المسلمين رجعوا إلى قيادة البلاد. ذلك لا لأن الحق ينبع من فوهة البندقية، بل لأن الحق لا يفرض نفسه على الباطل إلا إذا كانت معه حماية البندقية، وكل كلام ما عدا هذين الكلامين تسكع". (نحو يقظة إسلامية ص89).
ولو أننا تفحصنا المسار الذي التزم به خدام المهدي - عليه الصلاة والسلام - منذ انطلاقتهم الأولى قبل بضع سنوات؛ لوجدنا أنهم أعطوا درسا جيدا في تمسكهم بالقوة في رفض الباطل، مهما كان نوعه وأيا كان حجمه وكيف كان تهديده لهم. يكفي أن يُقال عن الخدام أنهم لم ينكسوا رؤوسهم لأحد سوى الله ومن هو في طريق الله، وأنهم لم يتراجعوا عن مقصد من مقاصدهم الشريفة في دحض الباطل ورموزه وفضح أعداء الله ورسوله وأهل بيته - عليهم السلام - رغم الحملات الضارية التي توجهت ضدهم والتي عانوا منها. لقد برهنوا على قوتهم وصلابتهم رغم التحديات. صبروا على صعوبة العمل وذاقوا مرارة الغربة والخذلان وواجهوا بشجاعة من أراد كتم أنفاسهم، وهم في ذلك كله يستمدون العون من مقام مولاهم صاحب العصر ومدار الدهر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.
وتستوجب المرحلة الجديدة اليوم؛ أن يُرَشِّد الخدام قوتهم. وخدام المهدي عليه السلام - بالمناسبة - هم ليسوا فقط أولئك العاملين في الهيئة المباركة ومؤسساتها؛ وإنما هم كل أولئك الذين يدورون في فلكهم والذين يؤمنون بالوصول إلى إمام زمانهم عليه السلام، ويعيشون في ظل هذا الأمل، وتراهم في كل يوم يدعون ربهم عقيب صلاة الصبح: "اللهم اجعلنا من خدام المهدي عليه السلام حقا".
هذه القوة الهائلة التي يمتلكها خدام المهدي عليه السلام؛ بحاجة إلى رشد يضاعفها ويوظفها في الاتجاه السليم نحو الإنجاز والإنتاج وتحقيق المعجزات. على الخدام أن تكون لديهم قوة في التقوى والإخلاص لله سبحانه وتعالى والولاء المطلق لأهل البيت الأطهار عليهم الصلاة والسلام. وعلى الخدام أن تكون لديهم قوة في العقيدة وفي فهمها ورصانة في الفكر المهدوي والرسالة التي يحملونها. وعلى الخدام أن تكون لديهم قوة في الارتباط الروحي بالوجود المقدّس لمولانا الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف. وعلى الخدام أن تكون لديهم قوة في مواجهة الباطل والدفاع عن الحق كما هو ديدنهم. وعلى الخدام أن تكون لديهم قوة في الأجهزة والمؤسسات، وفي القدرة التعبوية والحشد الجماهيري.. وكل ما يمكن أن يضيف إلى رصيد الخدام في قوتهم، ينبغي لهم أن يُؤَمِّنوه عاجلا، إذا أرادوا حقا امتلاك هذا العالم وتحقيق طموحهم الكبير في تأسيس الدولة الإسلامية العالمية ذات الملياري مسلم، والتي يُنتظر أن تعجّل في تحقق الوعد الإلهي بظهور المنقذ الثائر عليه السلام.
وبمثل ما يكون خدام المهدي - عليه السلام - أقوى الناس، فإن عليهم أن يكونوا أرأف الناس، وأكثرهم عطفا ولطفا ولينا ورفقا. فإن ذلك اللطف وذلك اللين هو الذي جعل الأمم تلتف حول رسول الإسلام - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي لو كان فظا غليظا لانفضوا من حوله كما يؤكد القرآن الحكيم. إنها أيضا تلك القوة التي لا يفهمها كثير من العاملين الذين سقطوا في الاختبار وجنحوا نحو العنف والتهور والصدام. إنها قوة "اللاعنف" وقوة "مكارم الأخلاق" وقوة "السجايا الطيبة" وقوة "الرفق واللطف"..
وليس معنى ذلك أبدا أن يتخلى الخدام عن مقارعتهم للباطل والظلم، بل إن معناه أن يكونوا كتيار الماء المندفع في شدة ذبهم عن حياض العقيدة، وفي الوقت نفسه كقطراته اللطيفة المتجمعة في تعاملهم مع الناس المعاملة الطيبة، فإن مولانا جعفر بن محمد - عليهما الصلاة والسلام - يقول: "إنما الدين المعاملة".
ولو فهم الخدام وسائر العاملين في سبيل الله تعالى هذه المعادلة وتمكنوا من الموازنة بين الأمرين؛ لواصلوا دربهم في تملّك القلوب أكثر، وفي تحقيق أهدافهم المرجوة أكثر. ذلك لأن العمل صعب، والمسار طويل، والهدف كبير، وكل ذلك يتطلب رشدا عميقا ووعيا واسعا وتعاملا متوازنا.
فلتكن أوصاف الخدام تلك التي قررها مولانا الصادق عليه السلام إذ يقول: "المؤمن له قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين". وليعمل كل واحد منهم، وكل من يريد أن يكون منهم، على أن يتحلى بهذه السجايا العظيمة، وأن يتمتع بهذه الملكات النورانية، لكي يقترب أكثر من الساحة المقدسة واليد العليا على صاحبها الصلاة والسلام.
هذه ليست إلا دعوة خاصة لمن يريد أن يركب في هذه السفينة التي ستشق طريقها وسط الأمواج المتلاطمة في عالم لا يرحم. القوة والشجاعة مع اللطف واللين، فلتكن هذه هي السمة العامة لكل من يحمل هذا اللواء العظيم.
إننا إذا أردنا أن نكون حقا من خدام المهدي عليه السلام، فعلينا أن نعد أنفسنا إعدادا روحيا وعلميا وعمليا سليما يؤهلنا إلى أن نعد سوانا من البشر الذين نتوق إلى أن يكونوا جميعا من خدام المهدي عليه السلام، وأن يلتفوا حول عقيدة الأطهار الميامين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وهذا الطموح والأمل الذي نعيش من أجله، لابد له من مؤمنين على مستوى من المسؤولية والكفاءة والوعي.. والقوة واللطف.
فلنكن كذلك جميعا..