27 ذو القعدة 1437 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة ألقاها الشيخ ياسر الحبيب بمناسبة وفاة السيد إبراهيم ابن النبوة صلوات الله عليها، بثتها قناة هجر، ونصها:
هنالك ثلاثة أمور تدفعنا للاهتمام بإحياء ذكرى ابن النبوة السيد إبراهيم الطاهر الطهر ابن رسول الله صلى الله عليه وآله:
الأمر الأول؛ أنَّا نعلم من الروايات والأحاديث الشريفة أن نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله قد حزن في اليوم الذي فقد فيه ابنه الطاهر هذا؛ فإحياؤنا لهذا اليوم بما يحمله من مشاعر الحزن والحداد يسجل عند الله تعالى ويكتب على أنه مواساة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن حزن المعصويمن صلوات الله عليهم وكذلك فرحهم أعني مشاعرهم من الجهتين تختلف عن مشاعر سائر الخلق؛ فالمعصوم حين يحزن تحزن معه كثير من الخلائق، تحزن معه الملائكة، يحزن معه كل مخلوق مؤمن مطيع لله وإن كان نباتا أو حيوانا أو حتى جمادا، تحزن معه السماء، تحزن معه الأرض؛ ذلك لأن سنة الله الكونية هي هذه، أن وليه المعصوم حين يفرح يؤثر ذلك على كثير من الخلائق إلا العصاة، وحين يحزن فكذلك، فإذا لم نحزن في مثل هذا اليوم الذي حزن فيه رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله فإنا نكون بهذا والعياذ بالله ممن كان مع العصاة الذين لا يتأثرون بما يتأثر به أولياء الله وحججه من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، فهذا هو الأمر الأول أن نشاطر النبي صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة أحزانهم.
الأمر الثاني؛ أنا قد أنبئنا من واقع الأحاديث والروايات الشريفة أيضا أن السيد إبراهيم صلوات الله عليه لو قًدّر له أن يعيش لمضى على منهاج أبيه صلى الله عليه وآله، وبعبارة أخرى إنه امتداد لأبيه الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله يمضي على منهاجه.
في الرواية الشريفة يسأل إمامنا الصادق عليه السلام من أحدهم أنه لو عاش إبراهيم عليه السلام أكان يكون نبيا صديقا أو صديقا نبيا فيجيبه الإمام عليه السلام بأنه لو عاش لكان أو لمضى على منهاج أبيه، وهذا يجيب على ما يمكن أن يتسائل عنه أو فيه البعض، وهو أَنَّا لماذا نهتم كل هذا الاهتمام بإحياء ذكرى وفاة طفل قد مات في سن الطفولة؛ إنه لم يقدم شيئا للإسلام، لم ينجز شيئا، لم يعبد الله عز وجل ونحو ذلك، مثل هذه التساؤلات لا شك أنها لا تصدر إلا من ذوي العقول الناقصة والإيمان الضعيف أو من بعض القاصرين مثلا؛ فإن الميزان عند الله عز جل ليس هو مجرد طول العمر وقضاءه في العبادة والجهاد وخدمة الإسلام ونحو ذلك، ليس هذا هو فقط الميزان، فقد يعمّر أحدا عمر نوح عليه الصلاة والسلام مثلا، ويبذل الكثير في عمره هذا من أجل الإسلام، ويعبد الله عز وجل عبادة عظيمة لكنه ليس بالضرورة أن يفوق بهذا مقام من ربما عاش ليوم أو بضع يوم أو عاش لساعة لعله هذه الموازين موازين كمية والموازين عند الله موازين كيفية، نبينا مثلا صلى الله عليه وآله هو أفضل الخلق لكن نوحا عليه السلام عاش أكثر منه، فما قضاه في العبادة في هذه الدنيا يكون لا محالة أكثر مما قضاه النبي صلى الله عليه وآله في هذه الدنيا من العبادة؛ فهل نقول إن نوحا عليه السلام أفضل من نبينا رتبا مثلا؟ كلا وحاشا!
الخضر عليه السلام يعيش أيضا منذ فترة طويلة وقد عمر أكثر مما عمر نوح إلى هذه الساعة وهل هو أفضل من نوح وهو نبي من أولي العزم؟ كلا! الأمور لا يمكن أن تقاس بهذه الأقيسة بل تقاس بموازين أخرى تابعة لعوالم أخرةر كعالم الأنوار والأظلة، مَن الذي خُلق أولا؟ من الذي منه خاطب الله الخلق بمن فيهم الملائكة؟ من هم أصحاب النور الإلهي النور الذي خلقه الله عز وجل أول ما خلق؟
نحن نعلم أن أول ما خلق الله عز وجل هو نور النبي وأهله الأطهار صلوات الله عليهم ومن هذا النور خاطب وبهذا النور خاطب خلقه منذ العوالم السابقة، هذا السيد إبراهيم وإن لم يعمر كثيرا وإن مات أو توفي ورحل إلى جوار ربه وهو لا يزال طفلا إلا أنه قبس من ذلك النور الإلهي العظيم، فلا شك أن له مقاما عظيما وهذا المقام تومئ له الرواية الشريفة عن إمامنا الصادق عليه السلام أنه لو عاش لمضى على منهاج أبيه فلم يكن ليعدل عن هذا المنهاج أو ينحرف عنه والعياذ بالله تعالى؛ فإحياء أمره تعظيما لهذا الولي الصالح صاحب المقام العظيم عند الله عز وجل هو أمر مطلوب بلا شك ولا مرية.
الأمر الثالث؛ أن إحياءنا لذكراه صلوات الله عليه يفتح الباب للبحث في كل شؤنه ومن أهم تلك الشؤون أمر والدته الطاهرة الصديقة السيدة مارية صلوات الله عليها هذه السيدة المظلومة التي بهتت ورميت بالإفك من قبل عائشة وأضرابها، إحياؤنا لأمر السيد إبراهيم عليه السلام يفتح الباب للخطباء والكتاب والنشطاء الدينيين لأن يتناولوا مسألة السيدة مارية عليها السلام وقضيتها ومارميت به، ويوضحون بهذا الحقيقة لهذه الأمة المخدوعة التي لا يزال كثير منها يعتقد بأن التي رميت بالافك هي الرامية بالإفك وهي عائشة لعنها الله، هذه أمة جعلت المظلوم ظالما، والظالم مظلوما مع الأٍف الشديد!
السيدة مارية عليها السلام لا يسلط الضوء عليها كثيرا وهي أم إبراهيم سيدة طيبة طاهرة اصطفاها الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله، وكانت نعم المرأة له، ومع الأسف أنها لا تذكر كثيرا مع أن الروايات تمدحها وتثني عليها وتصفها بالإيمان بل هي من سيدات المؤمنات، والروايات أيضا تنبئنا عن أئمتنا عليهم السلام بأن الله تعالى على يد وليه المهدي أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف سينتقم لهذه السيدة ممن قذفها؛ وهي عائشة فستجلد حد القذف على يد صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام حين يحييها الله عز وجل وتقرر جرائمها.
فهذه أمور ثلاث تدفعنا للاهتمام بهذه الذكرى المنسية، ونحن نجدد التحية للإخوة في هيئة اليد العليا على صاحبها السلام في اهتمامهم بإحياء هذه الذكرى، ونسأل الله تعالى أن يوفقهم وأن يسدد خطاهم وأن يجمع المؤمنين جميعا على إحياء أمر أهل بيت النبي صلوات الله عليهم الذين هم سفينة النجاة لنا والملاذ.