1 نوفمبر 2016
بدأت حركة تأليف جوامع لأصول الأحاديث في زمان حضور الأئمة الأطهار عليهم السلام، فقد دأب بعض أصحابهم ومن جاء بعدهم على جمع ما بحوزتهم من الأصول الأربعمائة وغيرها في كتب جامعة، آو انتخاب أحاديث من تلك الأصول وضم بعضها إلى بعض موضوعياً لتجتمع لاحقاً في كتاب جامع واحد. وبهذا انتقلت أحاديث الأصول إلى هذه الجوامع الأولية، ومنها:
- جامع البزنطي، وهو (1) أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، الثقة عظيم المنزلة عند الرضا والجواد عليهما السلام. قال النجاشي في رجاله: له كتب، منها: الجامع. (2)(3).
- بصائر الدرجات، لمحمد بن الحسن بن الصفار، الثقة صاحب العسكري عليه السلام، وكتابه واصل إلينا ومطبوع. قال الشيخ في الفهرست: له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة كتاب بصائر الدرجات وغيره وله مسائل كتب بها إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام (4).
- نوادر الحكمة، لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري القمي، ثقة جليل القدر. قال الشيخ في الفهرست: له كتاب نوادر الحكمة وهو يشتمل على كتب جماعة (5).
- جامع ابن محبوب، وهو محمد بن علي بن محبوب الأشعري القمي، الثقة العين (6). قال الشيخ في الفهرست: له كتب وروايات منها كتاب الجامع وهو يشتمل على عدة كتب (7).
- جوامع محمد بن جُمهور، وهو العميّ البصري، الثقة على قول (8). قال الشيخ في الفهرست: له كتب جماعة (9).
- جامع ابن الوليد، وهو محمد بن الحسن بن الوليد، شيخ الصدوق، الثقة الثقة. قال الشيخ في الفهرست: له كتب جماعة منها كتاب الجامع (10)(11).
- جامع موسى البَجَلي، هو موسى بن القاسم بن معاوية بن وَهَب البجلي، الثقة الثقة. قال الشيخ في الفهرست: له ثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد مستوفاة حسنة، وزيادةٌ كتاب الجامع، أخبرنا بها جماعة (12) .
- المحاسن، لأحمد بن محمد بن خالد البرقي، الثقة صاحب الرضا والجواد عليهما السلام، وكتابه واصل إلينا ومطبوع. قال الشيخ في الفهرست: صنّف كتباً كثيرة منها المحاسن وغيرها، وقد زِيد في المحاسن ونُقص (13).
- قُرب الإسناد، لعبد الله بن جعفر الحِمْيَري، برواية ابنه محمد. أما الأب فثقة من أصحاب العسكريين عليهما السلام (14)، وأما الابن فثقة له مكاتبات مع المهدي عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف. ذكرهما الشيخ في فهرسته. (15) والكتاب واصل إلينا ومطبوع ومقسّم إلى ثلاثة أجزاء، هي: قرب الإسناد إلى الصادق عليه السلام، وقرب الإسناد إلى الكاظم عليه السلام، وقرب الإسناد إلى الرضا عليه السلام. والظاهر أنه ناقص لأن النجاشي ذكر جزئين آخرين، هما: قرب الإسناد إلى الجواد عليه السلام، وقرب الإسناد إلى صاحب الأمر عليه السلام (16). ويستظهر من كلام النجاشي أيضاً أن هنالك أجزاءً أُخر ناقصة لعلها: قرب الإسناد إلى الهادي عليه السلام، وقرب الإسناد إلى العسكري عليه السلام. وبذا تكون موسوعة قرب الإسناد لعلها أكبر موسوعة جامعة لأصول الأحاديث مؤلفة في زمان الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام.
هذه بعض الجوامع الأولية التي أُخذت أحاديثها من الأصول، سواءً كانت أصولاً لمؤلف الجامع نفسه أو لغيره من الرواة أصحاب الأصول. ثم بعد هذه الجوامع الأولية ظهرت الجوامع الحديثية الكبرى التي أُخذت أحاديثها من الأصول وبعض الجوامع الأولية أيضاً. وهذه الجوامع المباركة الكبرى عليها اليوم مدار العلم والعلماء، وهي أربعة، إليك تفصيل القول فيها:
أولها: كتاب الكافي، لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني رضوان الله تعالى عليه، وهو أجلّ وأضبط هذه الجوامع.
قال الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقادات: هو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة (17). وقال فيه الشهيد الأول في إجازته للشيخ زين الدين بن الخازن: كتاب الكافي في الحديث الذي لم يُعمل للإمامية مثله (18). وقال المحقق الكركي في إجازته للقاضي صفي الدين عيسى: ومنها جميع مصنفات ومرويات الشيخ الإمام السعيد الحافظ المحدث الثقة، جامع أحاديث أهل البيت عليهم السلام، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكتاب الكبير في الحديث المسمى بالكافي، الذي لم يُعمل مثله، بالإسناد المتقدم إلى الشيخ الإمام أبي جعفر محمد بن قولويه بحق روايته عنه قدس الله سرهما ورفع قدرهما. وقد جمع هذا الكتاب من الأحاديث الشرعية والأسرار الدينية ما لا يوجد في غيره، وهذا الشيخ يروي عمّن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم السلام ورجالهم ومحدثيهم، مثل علي بن إبراهيم وهو يروي عن أبيه (19)، ومثل محمد بن محبوب وهو يروي عن محمد بن أحمد العلوي عن السيد الأجلّ أبي الحسن علي بن الإمام أبي عبد الله المعصوم جعفر بن محمد الصادق عن أخيه الإمام موسى الكاظم عليه السلام عن آبائه المعصومين (20). وقال الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الجَبَعي العاملي والد البهائي في كتابه وصول الأخيار إلى أصول الأخبار: وأما كتاب الكافي فهو للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني شيخ عصره في وقته ووجه العلماء والنبلاء، كان من أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به. صنّف كتاب الكافي وهذّبه في عشرين سنة (21) وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً، يحتوي على ما لا يحتوي عليه غيره (22).
قال العلامة المجلسي في مقدمة كتابه مرآة العقول الذي علّق فيه على الكافي ما نصّه: وابتدأت بكتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الإسلام مقبول طوائف الأنام ممدوح الخاص والعام، محمد بن يعقوب الكليني حشره الله مع الأئمة الكرام، لأنه كان أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظهما (23)(24). ووصف العلامة المجلسي لثقة الإسلام الكليني بأنه ممدوح الخاص والعام في تمام محله، فقد بلغ مدحه عند العامة مبلغ عدّه من مجددي الإسلام على رأس المائة الثالثة.
قال ابن الأثير (25) في جامع الأصول عند شرحه لحديث (إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها): الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً مشهوراً معروفاً مشاراً إليه في كل فنّ من هذه الفنون، فإذا حُمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى وأبعد من التهمة وأشبه بالحكمة، فإنّ اختلاف الأئمة رحمة وتقرير أقوال المجتهدين متعيَّن فإذا ذهبنا إلى تخصيص القول على أحد المذاهب وأوّلنا الحديث عليه بقيت المذاهب الأخرى خارجة عن احتمال الحديث لها وكان ذلك طعناً فيها. فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة يجددون للناس دينهم ويحفظون مذاهبهم التي قلّدوا فيها مجتهديهم وأئمتهم (26). ونحن نذكر الآن المذاهب المشهورة في الإسلام التي عليها مدار المسلمين في أقطار الأرض، وهي مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد ومذهب الإمامية، ومن كان المشار إليه من هؤلاء على رأس كل مائة سنة وكذلك من كان المشار إليه من باقي الطبقات - إلى أن يقول - وأما من كان على رأس المائة الثالثة فمن أولي الأمر المقتدر بأمر الله، ومن الفقهاء أبو العباس بن سُريج من أصحاب الشافعي وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة ثم (…)(27) من أصحاب مالك ثم أبو بكر بن هارون الخلّال من أصحاب أحمد وأبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي من الإمامية (28).
وقد أنكر بعض أعلام العدو على ابن الأثير ما فعل من عدِّه بعضاً من الإمامية من المجددين. قال صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود (29): فالعجب كل العجب من صاحب جامع الأصول أنه عدّ أبا جعفر الإمامي الشيعي والمرتضى أخا الرضى الإمامي الشيعي (30) من المجددين، حيث قال: الحديث إشارة إلى جماعة من الأكابر: على رأس كل مائة، ففي رأس الأولى عمر بن عبد العزيز، إلى أن قال: وعلى الثالثة المقتدر وأبو جعفر الطحاوي الحنفي وأبو جعفر الإمامي وأبو الحسن الأشعري والنسائي، وعلى الرابعة القادر بالله وأبو حامد الإسفرائيني وأبو بكر محمد الخارزمي الحنفي والمرتضى أخو الرضى الإمامي. وقد ذكره العلامة محمد طاهر في مجمع البحار ولم يتعرض بذكر مسامحته ولم ينبه على خطأه (31). ولا شبهة في أن عدِّهما من المجددين خطأ فاحش وغلط بيّن لأن علماء الشيعة وإن وصلوا إلى مرتبة الإجتهاد وبلغوا أقصى مراتب من أنواع واشتهروا غاية الاشتهار لكنهم لا يستأهلون المجددية. كيف وهم يخرّبون الدين فكيف يجددون، ويميتون السنن فكيف يحونها (32)، ويروّجون البدع فكيف يمحونها (33)، وليسوا إلا من الغالين المبطلين الجاهلين وجل صناعتهم التحريف والإنتحال والتأويل، لا تجديد الدين ولا إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة (34).
وقد غلب على هذا الكتاب الجامع إسم مؤلفه في بعض الأعصار الأولى فكان يسمى بكتاب الكليني، كما يلاحظ من ترجمة الشيخ النجاشي له إذ قال: محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني، وكان خاله عِلّان الكليني الرازي شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى بالكافي في عشرين سنة (35).
وقد قسّم الكليني كتابه إلى ثلاثة أقسام هي:
أ - أصول الكافي، ويشتمل على مباحث العقيدة وأصول الدين والمعارف الدينية، ويبدأ بكتاب العقل والجهل، مروراً بكتاب فضل العلم، فكتاب التوحيد المتضمن لمعرفة الله سبحانه، فكتاب الحجة المتضمن لمعرفة المعصومين عليهم السلام، فكتاب الإيمان والكفر، فكتاب الدعاء، فكتاب فضل القرآن، وينتهي هذا القسم بكتاب العِشرة المتضمن لأخلاقيات المعاشرة مع الناس.
ب - فروع الكافي، ويشتمل على فروع الدين أي الأحكام الشرعية من عبادات ومعاملات، بدءً من الطهارة والعبادات، وانتهاءً بالوصية والنذور والأيمان.
ت - روضة الكافي، ويشتمل على أحاديث التفسير لكتاب الله عز وجل، وأحاديث أخرى عن سيرة النبي صلى الله عليه وآله، ومواعظ الأئمة الأطهار عليهم السلام وخطبهم ورسائلهم، وبعض آداب الصالحين والأحاديث الأخلاقية وقصص وتواريخ ونحو ذلك ممّا لا يجمعه باب.
ثم إنّ هذا السفر الضخم حوى من درر الأحاديث الشريفة ما ليس له مثيل عند العامة لا كيفاً ولا كَمّاً.
----------------------------------------
(1) الضمير راجع إلى البزنطي، وهو أحد الثقات الثلاتة الذين اشتهر عنهم أنهم لا يروون إلا عن ثقة.
(2) رجال النجاشي ص٧٣ برقم ١٨٠
(3) وقد جمع فيه ما أخذه من الأصول وفيه ما أخذ من أصله هو. علماً أن جامعه لم يصل إلينا بعينه وإنما ينقل آخرون عنه.
(4) الفهرست للطوسي ص٤٠٨ رقم ٦٢٢
(5) نفس المصدر ص٤٠٩ رقم ٦٢٣
(6) العين: من الأعيان، وهو لفظ من ألفاظ المدح والفخر في كتب الرجال.
(7) نفس المصدر ص٤١١ رقم ٦٢٤
(8) لقد جُرح من قبل البعض ولكنه ثقة على قول، لوقوعه في إسناد تفسير القمي وكامل الزيارات.
(9) نفس المصدر ص٤١٣ رقم ٦٢٧
(10) نفس المصدر ص٤٤٢ رقم ٧٠٩
(11) أي: قد جَمَعَ جَمْعٌ من الكتب - الأصول - في جامع واحد.
(12) نفس المصدر ص٤٥٣ رقم ٧١٨
(13) نفس المصدر ص٥١-٥٢ رقم ٦٥
(14) نفس المصدر ص٢٩٤ رقم ٤٤٠
(15) رجال النجاشي ص٣٣٩ رقم ٩٤٩
(16) نفس المصدر ص٢١١ رقم ٧٥٣
(17) تصحيح اعتقادات الإمامية لمحمد بن محمد بن النعمان، المعروف بالشيخ المفيد، ص٧٠، طبعة قم المقدسة، ١٤١٣هـ
(18) بحار الأنوار للمجلسي ج١٠٤ ص١٩٠
(19) وهو إبراهيم بن هاشم.
(20) نفس المصدر ج١٠٥ ص٧٥-٧٦
(21) فلا ينخدعن أحد بكلام المشككين في الكافي والمتساهلين به الذين يقولون أن الكليني عليه الرضوان كان يجمع الأحاديث عشوائياً. فإن هذا الكلام باطل ينقضه الواقع، إذ الكليني ألّف الكافي في عشرين سنة حيث كان يدقق ويضبط ويتجول البلاد ويطالع المخطوطات والمرويات ويحقق لكي يروي الحديث باللفظ الأقرب الى اللفظ المعصومي الصحيح، وكان أوثق الناس في الحديث حريص على الوثاقة لمروياته، وكان أنقدهم له يمحصه ويضبطه لا يروي أحاديث بشكل عشوائي، كما نص على ذلك العلماء. فقد كان بإمكانه تأليف الكافي في خمس سنوات مثلاً، إلا أنّه طال به عشرين سنة، وذلك لتصفيته. لذا نقول: إن كتاب الكافي غير خلي عن الإعتبار. ونقصد بذلك أن الأصل فيه هو الإعتبار إلى أن ينهض دليل يصرف آحاد الروايات فيه عن الإعتبار، وهذا بالنسبة للكافي حصراً.
(22) وصول الأخيار إلى وصول الأخبار، للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي، ص٨٥، طبعة قم المقدسة، ١٤١٧هـ
(23) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ج١ ص٣، طبعة طهران، ١٣٧٥هـ
(24) لاحظ وصف العلامة له بأنه أضبط الأصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظهما، وهذه شهادة من خبير لا يُشق له غبار.
(25) وهو ابن الأثير أبو السعادات المبارك بن محمد الشيباني الجزري، أخو ابن الأثير أبو الحسن بن محمد الشيباني الجزري صاحب كتاب أُسد الغابة.
(26) أي: يريد أن يقول بأنه يرفض تخصيص كون المجدد من مذهب معين لأنه يكون بذاك قد أخرج بقية المذاهب من الإسلام، وأنه يمكن لأناس من مذاهب مختلفة تجديد الدين لمقلدي فقهائهم وأئمتهم طبقاً لمباني ذلك المهذب.
(27) في هامش المصدر: كذا في الأصل بياض.
(28) جامع الأصول في أخبار الرسول، لبمارك بن محمد بن الأثير، ج١١ ص٣٢١-٣٢٣، طبعة دمشق، ١٩٧٢م
(29) وهو محمد شمس الحق العظيم آبادي
(30) وهو السيد المرتضى علم الهدى
(31) كأنه ينكر على محمد طاهر الذي ذكر نفس كلام ابن الاثير ولكن لم يتعرض بذكر مسامحته بمجددية الكليني والمرتضى عليهما الرضوان ولم يخطئ ذلك، وكأن محمد طاهر يقر بكلام ابن الاثير حين أمضاه.
(32) صدق! فإننا نخرب دينه الذي يدين به وهو دين السقيفة! نعم إننا نميت سنن أبي بكر وعمر عائشة ولا يرانا الله نحيها!
(33) رمتني بدائها وانسلت. فهم أهل البدع، ودينهم وفقههم قائم على بدع.
(34) عون المعبود في شرح سنن أبي داود، ج١ ك٣١ ب١ ص١٩٦١-١٩٦٢، طبعة بيروت، ٢٠٠٥م
(35) رجال النجاشي ص٣٦٠-٣٦١ رقم ١٠٢٦