25 رجب 1438
هناك خطأ شائع في الأوساط الشيعية - بما فيها أوساط بعض رجال الدين الضعاف - يفترض أن (الالتزام بالتقية) كان هو الخط الوحيد للأئمة الأطهار عليهم السلام وأصحابهم، بينما الحقيقة أنه كان هناك خطان:
1- الالتزام بالتقية.
2- ترك التقية.
وهذين الخطين كانا يسيران جنبا إلى جنب بتخطيط من أئمة الهدى عليهم السلام.
يقول الشيخ الحبيب في كتابه [حل الإشكال] وهو يتحدث عن كبار أصحاب الأئمة عليهم السلام:
ألا ترى كيف أن أصحاب الأئمة عليهم السلام وثقاتهم الأكابر ما كفّوا أنفسهم عن الكلام والتبليغ والحجاج والخصام والجهر بالبراءة وسط الأنام رغم ظروف تلك الأزمنة المستدعية للتقية الشديدة؟ هذا وحكم التقية ماثل نصب أعينهم، ونواهي الأئمة عن الخصومة في الدين والدعوة إلى هذا الأمر ملء أسماعهم، غير أنهم فهموا الشريعة من أربابها، ووزنوا الأمور بميزانها، فأدركوا أن الكفّ عن الخصومة والامتناع عن الكلام والعدول إلى التقية؛ كل ذلك رهن بأن لا ينعدم التبليغ والدعاء إلى الحق بالكلية فلا ينهض به أحد ويخلو منه الزمان.
تجد بعض هؤلاء الأكابر يبدو وكأنه عاصٍ لأئمته الذين قالوا: «إياكم والخصومة في الدين.. كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم.. إنما شيعتنا الخرس»، وتراه شاذا في سلوكه عن جماعة الشيعة، مجاهرا بما هم يسترونه، مذيعا لما هم يكتمونه، مصادما لمن هم يتألفونه، حتى إذا مات قيل في حقه: «رحمه الله ولقّاه نضرة وسروراً، فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت»! فلم يُمتدح للخصومة فحسب؛ بل لشدة الخصومة! إنه ابن الطيار رحمة الله عليه.
وتجد بعضاً آخر يبدو وكأنه يتغافل عن أمر أئمته الذين قالوا: «إياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم.. ضربوكم على دم عثمان ثمانين سنة وهم يعلمون أنه كان ظالماً، فكيف إذا ذكرتم صنميْهم»، فتراه يتعمّد النيل من هذين الصنميْن في مسمع من أهل الخلاف حتى يشتهر بينهم بهذا فيقدحون فيه، ويصفونه بأنه «كان رافضياً شتّاماً» إذ كان يقول لبعضهم: «غلامك خير من أبي بكر وعمر»! حتى إذا جاءت النوبة لعلمائنا الرجاليين كشفوا اللثام عن ارتباطه بساحة القداسة بقولهم أنه «كان خصيصاً بأبي جعفر وبأبي عبد الله عليهما السلام»! إنه إبراهيم بن أبي يحيى المدائني رحمة الله عليه.
وتقلّب صفحات أولئك الأماجد فترى أنهم كانوا يخرقون حجاب التقية بسهام توقع المجتمع في البلبلة والقلاقل، حين يتعدون عن الكناية إلى التصريح، ويبلغون حدّ أن يرموا الذين سُمّوا (الصحابة) بالكفر والارتداد! مع علمهم بما يفجّره ذلك من غضب وفزع، فيعودون إلى أئمتهم يذكرون لهم ما واجهوه من ردود فعل، فلا يجدون منهم نهياً ولا زجراً، بل يجدون تأكيداً لما نطقوا وصدموا الناس به في رموزهم ومعتقداتهم، كما في رواية عبد الرحيم القصير قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا! فقال: يا عبد الرحيم؛ إن الناس عادوا بعد ما قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله أهل جاهلية! إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير، جعلوا يبايعون سعداً وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية: يا سعد أنت المرجا، وشعرك المرجل، وفحلك المرجم».
فلأي شيء ترى أولئك الأفذاذ مضوا شهداء يُصلبون وتقطّع أوصالهم، أو يُسجنون وتُعذَّب أبدانهم، أو يُنفوْن ويُشّردوا عن أوطانهم؟ أليس لألسنتهم السلاط التي بُها عُرفوا بالرفض؟ وعلى ماذا تراهم خاطروا بأرواحهم؟ أليس لضمان جريان التبليغ وسريان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وإلى أي عُقبى طمحت عيونهم؟ أليس للتي بشّر بها أئمتهم عليهم السلام حين قالوا: «من أعاننا بلسانه على عدونا أنطقه الله بحجته يوم موقفه بين يديه عز وجل»؟! - انتهى
أما في كتابه [تحرير الإنسان الشيعي] فيذكر الشيخ قصة رائعة في هذا الصدد يقول فيها:
رجلٌ سمّاه إمامنا الصادق (عليه السلام) سيد الشعراء إذ قال له كما رواه الكشي عليه الرحمة: «سمّتك أمك سيداً، ووُفِّقت في ذلك، وأنت سيد الشعراء»!
إنه إسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، الملقب بالسيد لأنه ساد الشعراء. كان هذا الرجل (رحمة الله عليه) قد وُلد لأبوين إباضيين ناصبيّين، لكن الله تعالى وفّقه للإيمان والتشيع، وبدأ ينظم الأشعار في موالاة محمد وآله عليهم السلام، والبراءة من أعدائهم عليهم اللعنة.
وكان شعره من أرقى الأنواع، إلا أن المخالفين هجروه وحاولوا إماتته. لماذا؟ لأنه كان يطعن بصراحة في أبي بكر وعمر وعائشة ومن أشبه.
يقول أبو الفرج الأصفهاني: «كان شاعراً متقدماً مطبوعاً، يُقال: إن أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشار وأبو العتاهية والسيد، فإنه لا يُعلم أن أحداً قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع، وإنما مات ذكره وهجر الناس شعره لما كان يفرط فيه من سبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه في شعره، ويستعمله من قذفهم والطعن عليهم، فتحومي شعره من هذا الجنس وغيره لذلك، وهجره الناس تخوّفاً وترقّباً. وله طراز من الشعر ومذهب قلّما يُلحق فيه أو يقاربه، ولا يُعرف له من الشعر كثير، وليس يخلو من مدح بني هاشم أو ذم غيرهم ممن هو عنده ضد لهم».
هكذا تجدون أبا الفرج الذي هو من أعلام المخالفين يصرّح بأن السيد الحميري كان يفرط في شعره مما سمّاه سبّاً للصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وآله، ومعلومٌ أنه يقصد هجاءه لأبي بكر وعمر وعائشة، فقد كان السيد ينال منهم أشد النيل. وهاك نموذجاً من ذلك.
يقول في هجاء أبي بكر وعمر:
أترى صُهاكاً وابنها وابن ابنها
وأبا قحافة آكل الذُّبّانِ
كانوا يروْن وفي الأمور عجائبٌ
يأتي بهنّ تصرّف الأزمانِ
أن الخلافة من ذؤابة هاشم
فيهم تصير وهيبةَ السلطانِ؟!
ويقول أيضاً:
أجاء نبي الحق من آل هاشم
لتملك تَيْمٌ دونهم عقدة الأمر؟!
وتُصرف عن قوم بهم تمّ أمرها
ويملكها بالصفر منهم أبو بكر؟!
أفي حكم من هذا فنعرف حكمه
لقد صار عرف الدين نكراً إلى نكر!
هكذا ينال السيد الحميري (رحمه الله) من أبي بكر وعمر رغم أنهما أعظم شخصيتين مقدستين عند أهل الخلاف. ينال من عمر بذكر جدّته الزانية صُهاك الحبشية! وينال من أبي بكر بذكر أبيه أبي قحافة آكل الذُّبان! ثم يؤكد أن المعروف أضحى منكراً والمنكر أضحى معروفاً، فالمعروف ولاية آل محمد (عليهم السلام) وقد صارت منكراً عند القوم! والمنكر وهو ولاية أبي بكر وعمر وقد صارت معروفاً عند القوم!
لعلك تتساءل: من الذي روى هذه الأبيات للسيد الحميري؟ والجواب مفاجأة! مفاجأة لهؤلاء الذين يقولون: لم يكن من سيرة علمائنا النيل من رموز الآخرين!
يا لجهلهم! إن الذي روى هذه الأبيات للسيد الحميري هو الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه، في كتابه الإفصاح! لقد أدرج هذه الأبيات في كتابه مع علمه بأن مشاعر أهل العامة لا تحتملها، ومع أنه كان يعيش في أجواء محتقنة من الاحتراب الطائفي في بغداد، اقرأوا التاريخ لتعرفوا كم كانت الأجواء صعبة آنذاك. مع هذا كله يأتي الشيخ المفيد ويدوّن في كتابه هذه الأبيات التي يُنال فيها من الرموز المقدسة للآخرين!
أفهل يجرؤ هؤلاء الجهلة على أن يرموا الشيخ المفيد بأنه «خارج عن تعاليم مدرسة أهل البيت عليهم السلام» كما رموْنا! أفهل يقولون ذلك في الرجل الذي لقّبه إمامنا الحجة (عليه السلام) بالمفيد، الرجل الذي حباه الإمام الحجة (عليه السلام) بثلاث رسائل كتبها بخط يده المقدسة، الرجل الذي حين دُفن كتب الإمام الحجة (عليه السلام) رقعة ووضعها على قبره معلنا أن فقده يمثل مصيبة على أهل البيت عليهم السلام، حيث قال عليه السلام:
لا صوّت الناعي بفقدك إنه
يومٌ على آل الرسول عظيمُ
إن كنتَ قد غُيِّبتَ في جَدَث الثرى
فالعلم والتوحيد فيك مقيمُ
والقائم المهدي يفرح كلما
تُليَت عليك من الدروس علومُ
لماذا لم يحترم المفيد مشاعر المخالفين؟ لماذا ذكر في كتابه الأبيات الصريحة التي طعن بها السيد الحميري أبا بكر وعمر؟ لماذا لم يعمل بقوله تعالى: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَسُبُّوا اللَّـهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ»؟ لماذا لم يعمل بقوله عليه السلام: «كرهت لكم أن تكونوا سبابين»؟ لماذا لم يعمل بالتقية؟ لماذا اتخذ الأسلوب الطائفي؟ لماذا استعمل الأسلوب الحاد؟ لماذا لم يحترم رموز الآخرين؟
أسئلة لا جواب عنها إلا بالاعتراف أن ذلك كله كان من صلب تعاليم أئمتنا الأطهار صلوات الله عليهم، ولولا ذلك لكنا نجد صاحب الزمان (صلوات الله عليه) يذم المفيد بدلاً من أن يمدحه!
وكذلك لا بد أن نقول في السيد الحميري رحمة الله عليه، وغيره من أعلام التشيع. لولا أن نيلهم من رموز الآخرين كان أمراً محبوباً عند الأئمة الأطهار عليهم السلام، لما استأهلوا منهم هذا الثناء العطر.
أتعلمون أي مقام وصل إليه السيد الحميري بسبب قصائده التي هجا فيها أبا بكر وعمر وعثمان؟
اسمعوا هذه الرواية التي يرويها شيخنا العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) لتدركوا كيف أن السيد الحميري قد وصل بما فعل إلى أعلى عليين، وأنه حظي بذلك شرف مجالسة أهل الكساء الطاهرين (صلوات الله عليهم) في الجنة!
روى العلامة المجلسي في بحاره بالإسناد عن سهل بن ذُبيان قال: «دخلتُ على الإمام عليِّ بن موسى الرضا عليه السلام في بعض الأيَّام قبل أنْ يدخل عليه أحدٌ مِن الناس، فقال لي: مرحباً يابن ذبيان، الساعةََ أراد رسولـُنا أنْ يأتيـَك لتحضر عندنا. فقلت: لماذا يابنَ رسول الله؟! فقال: لمَنامٍ رأيته البارحة، فقلت: خيراً يكون إنْ شاء الله تعالى. فقال: يابن ذبيان، رأيت كأنِّي قد نـُصب لي سُلَّم فيه مئة مِرقاة، فصعدتُ إلى أعلاه. فقلتُ: يا مولاي، أُهنِّيك بطول العمر، وربَّما تعيش مئة سنة. فقال لي عليه السلام: ما شاء الله كان. ثمّ قال: يابن ذبيان، فلمَّا صعدت إلى أعلى السُّلَّم رأيت كأنِّي دخلتُ في قُبَّة خضراء، يُرى ظاهرُها مِن باطنها، ورأيت جَدِّي رسول الله صلَّى الله عليه وآله جالساً وإلى يمينه وشماله غلامان حَسَنان يُشرق النور مِن وجوههما، ورأيت امرأةً بهيَّة الخلـْقة، ورأيت بين يديه شخصاً بهيَّ الخلقة جالساً عنده، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة: لأُمّ عمرو باللِّوى مَربعُ.. فلمَّا رآني النبيّ صلَّى الله عليه وآله قال لي: مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا، سَلِّمْ على أبيك علي. فسلَّمتُ عليه، ثمَّ قال لي: سلِّمْ على أُمِّك فاطمة الزهراء عليها السلام. فسلّمتُ عليها. فقال لي: وسلِّمْ على أبويك الحسن والحسين. فسلَّمتُ عليهما، ثمَّ قال لي: وسَلِّمْ على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا، السيِّد إسماعيل الحميريّ. فسلَمتُ عليه وجلست، فالتفت النبيُّ إلى السيِّد إسماعيل وقال له: عُدْ إلى ما كنَّا فيه مِن إنشاد القصيدة. فأنشأ يقول:
لأم عَمْروٍ باللِّوى مربعُ
طامسةٌ أعلامها بَلقعُ
فبكى النبيّ صلَّى الله عليه وآله، فلمَّا بلغ إلى قوله:
ووجههُ كالشمس إذ تطلعُ
بكى النبيّ صلَّى الله عليه وآله وفاطمة عليها السلام ومَن معه، ولمَّا بلغ إلى قوله:
قالوا له لو شئتَ أعلمتنا
إلى مَن الغايةُ والمفزعُ
رفع النبيّ صلَّى الله عليه وآله يدَيه وقال: إلهي! أنت الشاهدُ علَيَّ وعليهم أنِّي أعلمتُهم أنَّ الغايةَ والمفزع علي بن أبي طالب. و أشار بيده إليه وهو جالس بين يديه صلوات الله عليه.
قال عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: فلمَّا فرغ السيِّد إسماعيل الحميريّ مِن إنشاد القصيدة التفتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله إليَّ وقال لي: يا عليّ ابن موسى، احفظْ هذه القصيدة ومُرْ شيعتنا بحفظها، وأعلمْهُم أنَّ مَن حفظها وأدمن قراءتَها ضمِنتُ له الجنَّةَ على الله تعالى! قال الرضا عليه السلام: ولم يزل يُكرِّرها عليَّ حتَّى حفظتُها منه».
الله أكبر! هذا هو المقام الذي وصل إليه السيد الحميري، أنه يجالس النبي الأعظم وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) في الفردوس الأعلى، ويتلو عليهم قصيدته. الله أكبر! ما أثمن هذه القصيدة التي يأمر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حفيده الرضا (عليه السلام) بحفظها! ويأمره بأن يأمر شيعته بحفظها! ويضمن الجنة لمن حفظها!
أية قصيدة هذه؟ إنها العينية الخالدة للسيد الحميري، التي مطلعها:
لأم عَمْروٍ باللِّوى مربعُ
طامسةٌ أعلامها بَلقعُ
ولكن، هل تعلمون ما الذي جاء في هذه القصيدة من أبيات النيل والهجاء لأبي بكر وعمر وعثمان؟ اسمعوا:
والناس يوم الحشر راياتهم
خمس فمنها هالك أربعُ
فراية العجل وفرعونها
وسامري الأمة المشنَّعُ
وراية يقدمها أذلمٌ
عبد لئيم لُكَعٌ أوكعُ
وراية يقدمها حبتر
للزور والبهتان قد أبدعوا
وراية يقدمها نعثل
لا برّد الله له مضجعُ
أربعة في سقر أودعوا
ليس لهم من قعرها مطلعُ
وراية يقدمها حيدر
ووجهه كالشمس إذ يطلعُ
غدا يلاقي المصطفى حيدر
وراية الحمد له تُرفعُ
تأملوا في هذا الهجاء الشديد حيث نال السيد الحميري من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية بأحد لسان.
وصف معاوية بأنه عجل وفرعون وسامري مشنَّع أي قبيح، ووصف عمر بأنه أذلم أي أسود طويل، وأنه عبد لئيم لُكَع، أي دنيء، أوكع، أي أحمق. ووصف أبا بكر بأنه حبتر، أي ثعلب، يبدع بالزور والبهتان، فيما وصف عثمان بالصفة التي وصفته بها عائشة، نعثل، أي الشيخ الأحمق!
ويؤكد تالياً على أن هؤلاء الأربعة جميعاً قد أودعوا في سقر، ليس لهم من قَعرها مطلعُ.
إنها إهانات شديدة توجه في أبيات إلى أعظم رموز أهل الخلاف، ومع ذلك يأمرنا النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بحفظها وترديدها ويضمن لنا الجنة إنْ فعلنا! وينقل لنا ذلك العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) دون أدنى اهتمام منه بمشاعر أهل الخلاف!
ماذا تظنون بهم وهم يقرأون في كتاب بحار الأنوار أو كتاب الإفصاح هذه المطاعن في أئمتهم وخلفائهم؟ لا شك أنهم يغتاظون من ذلك، لكن هذه ضريبة طبيعية لا بد للمرء من أن يدفعها في بداية رحلته نحو الحق، نحو النور.
الإنسان الذي كان يعيش طوال عمره في الظلمات، حينما يخرج فجأة إلى النور فإنه يتألم، ترى عينيه تؤلمانه لأن الضوء يقع عليهما للمرة الأولى. هذا الذي ينتاب المخالف إنما هو أمر مؤقت، يزول مع الوقت إن كان هذا المخالف قابلاً للهداية، حين يبحث أكثر في نفس كتاب بحار الأنوار وكتاب الإفصاح وغيرهما، فيرى الحجج والبراهين على أن من كان مخدوعاً بهم إنما هم رموز للباطل، لا رموز للحق، إنما هم رموز للنفاق، لا رموز للإيمان.
هكذا كانت سيرة رجالات التشيع، لقد التزموا بالمنهج الرافضي بقوة، وأعلنوا هذا الالتزام بهتكهم أعداء الله، ونيلهم منهم بمواقفهم، بمناظراتهم، بكتاباتهم، بأشعارهم.. ولم نجد الأئمة (عليهم السلام) ينكرون عليهم ذلك، بل على العكس، كانوا يمتدحونهم ويثنون عليهم أعظم الثناء. نعم، ربما يكون في حين من الأحيان سبب عرضي يوجب الأمر بالسكوت وعدم الإذاعة، لكن ذلك أيضاً كان موجهاً لأناس دون أناس، كما قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه.
- انتهى.