الشيعة في مواجهة تهويد وتحريف الدين الإسلامي - قصة كفاح تاريخية -
ملخّص الجلسة الحادية عشرة:
الكلام في كعب الأحبار اليهودي عليه اللعنة، وكيف صارت هذه الشخصية شخصيةً محترمةً لدى أهل البدعة، بل ومعظّمةً يؤخذ منها الدين، وكيف استطاعت هذه الشخصية أن تخترق المحيط الإسلامي، وكيف استطاعت أن تهوّد العقيدة الإسلامية أو الثقافة الإسلامية.
لا بأس أن نعرض في مفتتح كلامنا في هذه الجلسة ترجمة كعب الأخبار من مصدر آخر من علم آخر من أعلام أهل الخلاف وهو إمامهم الذهبي. في سير أعلام النبلاء المجلد 3 ص 489: هو كعب بن ماتع الحميري اليماني العلاّمة الحبر، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وآله- وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر، فجالس أصحاب محمد -صلى الله عليه وآله- فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب ويأخذ السنن عن الصحابة. وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء. حدّثَ عن: عمر، وصهيب، وغير واحد. حدّثَ عنه: أبو هريرة، ومعاوية، وابن عباس، وذلك من قبيل رواية الصحابي عن التابعي، وهو نادر عزيز. وحدّثَ عنه: أيضا: أسلم مولى عمر، وتبيع الحميري ابن امرأة كعب، وأبو سلام الأسود، وروى عنه عدة من التابعين؛ كعطاء بن يسار، وغيره مرسلا. وكان خبيرا بكتب اليهود، له ذوق في معرفة صحيحها من باطلها في الجملة. وقع له رواية في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. سكن بالشام بأخرة، وكان يغزو مع الصحابة. روى خالد بن معدان: عن كعب الأحبار، قال: لأن أبكي من خشية أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهبا. توفي كعب بحمص ذاهبا للغزو في أواخر خلافة عثمان فلقد كان من أوعية العلم.
تلاحظون من هذه الأوصاف والنعوت والتراجم أن الرجل عندهم مقدّر ومحترم جداً. وقلنا أن ما يمكن الإعتماد عليه في قصة إسلامه هو ذلك الأثر الذي هو أوثق الآثار عندهم الموجود في الطبري في المجلد الثامن ص446:
"عن عيسى بن المغيرة تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال أسلم كعب في زمان عمر أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج إليه عمر فقال يا كعب أسلم قال ألستم تقرأون في كتابكم: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) وأنا قد حملت التوراة قال : فتركه ثم خرج حتى انتهى إلى حمص قال فسمع رجلا من أهلها حزينا وهو يقول يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها: الآية فقال كعب: يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه الآية ثم رجع فأتى أهله باليمن ثم جاء بهم مسلمين".
إذن الرجل تأخر إسلامه إلى زمان عمر بن الخطاب مع كونه يربو على السبعين سنة حينذاك، وكان معاصراً لرسول الله صلى الله عليه وآله وواقفاً على دلائله وآياته وبراهينه ولكنه لم يسلم، وأخّر إسلامه إلى زمان عمر. وكان عمر عارفاً بكعب وبمنزلته وذلك دليل إضافي على أن عمر غير بعيد عن العالم اليهودي. ودعاه عمر إلى الإسلام فلم يقب، ومضى إلى الشام وهناك حسب دعواه سمع رجلاً حزيناً يقرأ تلك الآية فقال يا رب آمن يا رب أسلمت...
سرعان ما حظي كعب من احترام الطاغية الثاني عمر بن الخطاب لعنه الله، حتى صار عمر تلميذاً له ويستفيته ويسأله عن معاني القرآن الحكيم!! رجلٌ يهوديٌ حديثُ العهد بالإسلام، لم يتلقَ العلم ولا الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وعمر في المقابل يُفترض أنه ممن لازم رسول الله وتلقى عنه القرآن والعلم والحديث؛ فكيف يمكن أن نتصور أن يأتي من يُفترض من يكون في مقام الأستاذية ليتحول إلى مقام التلميذ؟ فيسأل هذا الحديث في إسلامه عن معاني القرآن الحكيم؟
هذا يكشف عن أمور مرّة لأهل الخلاف منها: أن عمر بن الخطاب جاهلٌ، ولا يستطيع أن يعرف معاني القرآن الحكيم الذي لطالما ردده الرسول صلى الله عليه وآله وفسّره. ولم يسأل رسول الله ولم يتسنى له ذلك لأنه كان يسكن بعيداً عنه في منطقة العوالي وفي محلة اليهود! وكان ينزل للمدينة بالتناوب! فلم يكن حريصاً على ملازمة النبي وتلقي العلم.
هذه فضيحة لأهل الخلاف! أن أبا زوجة النبي وصاحبه وخليفته -حسب المدعى- لا يعرف شيئاً، ويضطر لأن يسأل رجل البارحة قد أسلم عن معاني القرآن الكريم!
الأمر الثاني المرّ: هو أنه كيف أجاز عمر بن الخطاب لرجلٍ كان غارقاً في العقيدة اليهودية المنحرفة والثقافة الاسرائيلية المزيّفة، كيف أجاز لهذا الشخص أن يعلّم المسلمين دينهم؟ ويعلّمه هو! أولم يكن يخشى عمر بسبب كون هذا الشخص بالأصل من أحبار اليهود في أن يفسد دين المسلمين!
أمثلة لرجوع عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار:
في تفسير الطبري المجلد 20 ص121: "عن قتادة، قوله (جَنَّاتِ عَدْنٍ) قال: سأل عمر كعبا ما عَدَن؟ قال: يا أمير المؤمنين، قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيون والصدّيقون والشهداء وأئمةُ العدل".
وفي كنز العمال للمتقي الهندي المجلد 12 ص560 "عن الحسن قال قال عمر بن الخطاب حدثني يا كعب عن جنات عدن، قال نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صدّيق أو شهيد أو حكم عدل".
وعليه؛ فعمر لا يعرف ما هي جنات عدن، ولم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك رغم أن هذا المعنى متكرر في القرآن الحكيم، ولم يرجع إلى باب مدينة علم رسول الله وهو الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام، ولم يرجع إلى من يسمونهم علماء الصحابة، بل سأل كعب الأحبار اليهودي!
لمزيد من التفصيل راجع الجلسة الحادية عشرة من الليالي الرمضانية لسنة 1438: