الشيعة في مواجهة تهويد وتحريف الدين الإسلامي - قصة كفاح تاريخية -
ملخّص الجلسة السادسة والعشرون:
بعدما اتضح لنا من واقع الأوراق البحثية السابقة وما تضمنته من معلوماتٍ ومعطياتٍ مهولة، أنه هنالك ما يشبه التهافت من قبل شخصياتٍ ذات وزن في المحيط الإسلامي على تلقي الإسرائيليات والرجوع إلى أحبار اليهود.
وبعدما اتضح لنا ذلك رغم ما تضمنته أخبارهم من خزعبلات وأمور مناقضةٍ وأسس وعقائد الإسلام والشريعة الإسلامية، كان هنالك تهافت من هؤلاء على أولئك وانشدادٌ قويٌ لهم، وإصرار على تناقل ما حدَّثوا به وإفشاءه في أوساط المسلمين.
بعدما اتضح لنا كل ذلك؛ ينبغي علينا الآن أن ندرس علة ذلك، وبعبارة أخرى؛ لماذا تهافتوا عليهم واتصلوا بهم، وانشدوا إليهم كل هذا الإنشداد؟
هنالك عللٌ كثيرةٌ يمكن أن تطرح في هذا المقام:
نبدأ بتعليل ابن خلدون الذي ذكره في مقدمته في الصفحة 487:
"وصار التفسيرعلى صنفين: تفسير نقلي مستند إلى الآثار المنقولة عن السلف، وهي معرفة الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي. وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة والتابعين. وقد جمع المتقدمون في ذلك وأوعوا، إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين والمقبول والمردود.
والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية. فإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى.
وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ! بادية مثلهم، ولا يعرفون من ذلك إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم، مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة وما يرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم. فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم، في أمثال هذه الأغراض، أخباراً موقوفة عليهم، وليست مما يرجع إلى الأحكام فيتحرى في الصحة التي يجب بها العمل.
وتساهل المفسرون في مثل ذلك وملؤوا كتب التفسير بهذه المنقولات. وأصلها كما قلناه عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك، إلا أنهم بعد صيتهم وعظمت أقدارهم، لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة، فتلقيت بالقبول من يومئذ. فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص، وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها، وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى. وتبعه القرطبي في تلك الطريقة على منهاج واحد في كتاب أخر مشهور بالمشرق". -انتهى كلام ابن خلدون-.
هنالك علةٌ أخرى تتمثل بالإكثار من حيازة المعلومات، للإكثار من الحديث وتغزيره -أي تعميقه- لجلب الناس واستقطابهم، وهذه العلة ذكرها أئمتنا الأطهار عليهم السلام وتحديداً الإمام الصادق عليه السلام في حديثٍ مهم، ينبغي أن يجعله كل عالمٍ وطالب علم أن يضعه نصب عينيه.
روى الصدوق عليه الرحمة في كتاب الخصال بالصفحة 352: سبعة من العلماء في النار:
قال أبو عبد الله عليه السلام: إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه فذاك في الدرك الأسفل من النار، ومن العلماء من إذا وعظ أنف وإذا وعظ عنف فذاك في الدرك الثاني من النار، ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعا فذاك في الدرك الثالث من النار، ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين، فإن رد عليه شئ من قوله أو قصر في شئ من أمره غضب فذاك في الدرك الرابع من النار، ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به حديثه فذاك في الدرك الخامس من النار، ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول: سلوني ولعله لا يصيب حرفا واحدا والله لا يحب المتكلفين فذاك في الدرك السادس من النار، ومن العلماء من يتخذ علمه مروة وعقلا فذاك في الدرك السابع من النار".
لمزيد من التفصيل راجع الجلسة السادسة والعشرين من الليالي الرمضانية لسنة 1438: