ملخّص الليلة التاسعة عشرة، وهي عبارة عن تغريدات نشرها مكتب الشيخ على موقع التواصل الاجتماعي تويتر:
صلى الله على مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمام المتقين قسيم الجنةوالنار. صلى الله عليه، ولعن أعداءهم وقاتليه وخاذليه من الأولين والآخرين.
عظم الله أجورنا وأجوركم. أُبتلي إمامنا أمير المؤمنين بأعداء كثر وهذا طبيعي لما قد سفك من دماء أقاربهم في الحق ولما ألزم أواخرهم من العار. ثمة كلمة لإمامنا زين العابدين عليه السلام رواها أهل الخلاف عنه توضح لنا علة هذه الكراهية التي تفشت في أوساط قريش ضده.
في تاريخ دمشق لابن عساكر م42 ص290: قلت لعلي بن حسين بن علي ما بال قريش لا تحب عليا؟ فقال: لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار.
هذا سبب نعلمه وندركه أن أمير المؤمنين كرهته قريش ورجالها لأنه أورد أولهم النار؛ كقتله صناديد قريش وأبطالها الذين قاتلوا النبي صلى الله عليه وآله، وأما آخرهم لعل منهم أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وطلحة والزبير فإن هؤلاء ألزمهم علي عليه السلام العار أيضا.
مازال العار الذي ألزمه علي عليه السلام لآخر قريش ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ملتصقا بهم بسبب خروجهم على علي أو ظلمهم له الذي أدى إلى انكشاف خبث سرائرهم.
سيف علي عليه السلام ما استخدم إلا في الحق، وهو الذي استجلب هذه العداوة.
هل بسبب سيف علي عليه السلام فقط قُتل عليه السلام؟ أم هناك أسبابا أخرى؟ الجواب: كان من الأسباب الرئيسية التي استجلبت الكراهية لكنه ليس السبب الوحيد.
الأنفس التي حقدت على علي عليه السلام هي أنفس مريضة، إذ لا ترضى الأنفس السليمة بالحقد على رجل قتل أولئك بالحق.
أخت عمرو بن عبد ود العامري لم تبكِ على أخيها لأن قاتله أمير المؤمنين عليه السلام، ولو كان القاتل غيره لبكته.
لو لم يقترن بهذا السبب (كراهية قريش لأمير المؤمنين عليه السلام لأنه قتل صناديدهم) سبب آخر لا يقل خطرا عن الأول لما قُتل وهُدر دمه ولما جرى ما جرى عليه وعلى أبنائه من الظلم والاضطهاد.
إضافة إلى السبب المذكور، هناك سبب آخر وهو الخيانة الداخلية من أقاربه التي كشفت ظهره صلوات الله عليه، ولولا تلك الخيانة لما ظُلم وهُضم وقُتل عليه السلام.
لو كان أولئك الأقارب مع علي عليه السلام مخلصين أوفياء أتقياء من غير الطمع والجشع لما جرى عليه ما جرى.
لم يعِش أمير المؤمنين عليه السلام مرتاحا فما أن يخرج من غصة حتى يدخل في غصة، حتى في أيام حكمه، ودونك نهج البلاغة.
ما كان أمير المؤمنين عليه السلام الفارس الصنديد يعيش مرتاحا وتكاد لا تفارقه الدمعة، من المسؤول؟ ليس المنافقين والطلقاء من قريش بل المسؤول من كان محسوبا على جناح عليه السلام أيضا بل من أقاربه وأهل بيته.
كان من أولئك الذين ملأوا قلب أمير المؤمنين عليه السلام قيحا هم أولئك الذين غرتهم المناصب وطمع الدنيا، ويريدون الطبقية العمرية، فخانوه كالعباس وعقيل.
أعجب عقيل والعباس الطبقية التي أسسها عمر، وهي التفاوت في العطاء كلٌ حسب نسبه وحسبه. أعجب عقيل أن يعطيه عمر أكثر من غيره ليشتري من الخدم والحشم وينغمس في ذلك التمييز الطبقي ويأكل حراما حتى تلوث وكان قد تلوث.
ضربة علي عليه السلام في هذه الليلة بسيف ابن ملجم لعنه الله يتحمل شيئا منها عقيل وأمثاله لتهافتهم على الدنيا؛ فكشفوا ظهره عليه السلام في أجواء يسودها المرض والفساد فتجرأ عليه أبناء الزواني أمثال ابن ملجم.
لم يعجب عقيل مثلا إلغاء أمير المؤمنين عليه السلام الطبقية التي أسسها عمر لعنه الله. كان من أمثال عقيل كثر إنما بايعوا أمير المؤمنين على مضض ولما فاجأتهم صرامته وعدالته انقلبوا عليه أو خانوه وخذلوه.
في الكافي الشريف ج8 ص182: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما ولي علي عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: ثم قال: إني والله لا أرزؤكم من فيؤكم درهما ما قام لي عذق بيثرب فلتصدقكم أنفسكم: أفتروني مانعا نفسي ومعطيكم؟ قال: فقام إليه عقيل: الله لتجعلني وأسود بالمدينة سواء، فقال اجلس أما كان ههنا أحد يتكلم غيرك؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى.
يعترض عقيل على أمير المؤمنين عليه السلام حينما ألغى الطبقية بقوله: كيف تساوي بيني وبين رجل أسود في المدينة، فرد أمير المؤمنين عليه السلام بقول صارم: أجلس، بأي شيء أنت أفضل منه؟! ما الفضل إلا بالقتوى.
لهذا الشيء قدسنا عليا عليه السلام وسنبقى نقدسه ويحق لنا أن نقدسه ونفخر به.
لا يريد عقيل أن يُساوى برجل أسود! لأنه يرى نفسه عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب والأسود رجل جاء من الحبشة. هذه العنصرية التي زرعها عمر وحاربها أمير المؤمنين عليه السلام.
من نبرة عقيل هذه تعرف جشعه وطمعه الدنيوي حيث همه في أكله وشربه وفرجه! هنا كانت المصادمة الأولى بين عقيل وأمير المؤمنين عليه السلام.
صار الخذلان في أواخر حياة أمير المؤمنين عليه السلام كبيرا جدا لدرجة أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا رأي لمن لا يُطاع، وقال: ما هي إلا الكوفة أقبضها وأبسطها، فاستغل العدو لعنه الله الظرف.
هؤلاء خانوا عليا عليه السلام لأن الواحد منهم لم يكن يعجبه أن يساوي علي عليه السلام بينه وبين الآخرين، فيريد هو أن يعيش في ثراء وأموال فيبيع ويشتري كما يشاء. فإذا قبل بالمساواة فإنه سيعيش حاله حال المسلمين وهذا ما لا يرضيه.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في غرر الحكم للآمدي رقم 468: أمقت العباد إلى الله سبحانه من كان همته بطنه وفرجه. الشيخ: هذا إن كانت من حل فكيف من حرام؟!
أغلب من يريد أن يكون مليونيريا همته تكون في بطنه وفرجه.
في غرر الحكم للآمدي برقم 1176: من كانت همته ما يدخل بطنه كانت قيمته ما يخرج منه.
إنه إذاً الصراع الأزلي ما بين إتباع علي عليه السلام وما بين الركض وراء الثراء والغنى الفاحش بهمة البطن والفرج، فهو صراع أزلي لا يمكن التوفيق بينهما.
إن ما يفضي إلى معاداة علي عليه السلام وخذلانه هو الدنيا والمال، فكأنهما نقيضان لا يجتمعان.
قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا.
صراع نفسي قوي شديد في النفوس ما بين إتباع علي عليه السلام وإتخاذ الفقر جلبابا، أو أن يركض الإنسان وراء الشهوات والشبع وحب الدنيا.
حينما ينشق البعض عن أمير المؤمنين عليه السلام لأنه لم يعطهم أكثر مما كان يعطي المسلمين كانوا ينشقون مع أقوام وجماعات، فلم يجاملهم علي عليه السلام.
قام علي عليه السلام بحركة تطهيرية وهي حركة مكلفة تتطلب الكثير.
من أراد تصحيح الوضع العراقي عليه أن يتخذ سياسة علي عليه السلام التطهيرية، فيطبق التطهير حتى بحق أخيه كعقيل!
قال عامر بن شراحيل الشعبي (من كبار أهل الخلاف) ما مضمونه: لا ندري ما نصنع مع علي؟! إن أحبنناه افتقرنا وإن أبغضناه افترقنا!
المسلم بين أمرين: إما يستجلب الإيمان فيفقر أو يستجلب الغنى فيبغض عليا عليه السلام، وهذا ما كان يعلمه النبي صلى الله عليه وآله ويحذّر منه كما في صحيح البخاري.
في صحيح البخاري برقم ١٣٤٤: خرج النبي يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا ولكن أخاف أن تنافسوا فيها.
من لهث وراء المال دمّر دينه وأخلاقه ونفسه.
ما ضرب رأس علي عليه السلام في هذه الليلة وشج رأسه الشريف إلا لصرامته ومحاربته للطمع والجشع.
جاء في مستدرك الحاكم: إن مما عهد إلي النبي أن الأمة ستغدر بي بعده، ويعلق الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
خانت الأمة عليا عليه السلام التي تركت وغدا لعينا يضرب رأس إمام المتقين عليه السلام في مثل هذه الليلة ليمضي شهيدا.