ملخّص الليلة السادسة والعشرون، وهي عبارة عن تغريدات نشرها مكتب الشيخ على موقع التواصل الاجتماعي تويتر:
قد عرفتم أن إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام كان شديدا على أهل الباطل فلم يكن يقبل بأي نوع من أنواع المهادنة معهم أو المصالحة، في حين أن أطرافا أخرى ممن كانت محسوبة عليه متزلزلة إلى حد أنها تطرح ضرورة المصالحة.
من النماذج التي طرحت ضرورة المصالحة مع أهل الباطل هو أبو مسعود البدري الخزرجي الذي اعتبره أمير المؤمنين عليه السلام أن لا عقل له، بل وأطلق عليه نبزا "فرّوج" أو "فرّوخ" احتقارا وازدراء له.
كان أمير المؤمنين يشتكي ممن حوله من أهل الكوفة أن أبدانهم حاضرة وعقولهم غائبة، ومما تقدم استفدنا أن لا ننخدع وراء شعارات وكلمات كل دعوة، بل يجب أن نرى مخرجات كل دعوة فإن كانت في صالح الحق فبها، وإلا فلا.
تأسيسا على ما سبق نقول: إذا استوعبتم الكلام الماضي جيدا واستبوعتم حال أمير المؤمنين عليه السلام مع جبهات البغي وحاله مع أصحابه وحاله مع الحروب الأهلية التي نشأت، تستوعبون أن بقاء علي عليه السلام يسبب أزمة عندهم بسبب تصلبه وإصراره على إقامة العدل لذا حاربوه
بقاء علي عليه السلام تعني بقاء الفرقة والتفرق، ولن تجتمع الكلمة لأن علي عليه السلام متصلبا في الحق مصرا على إقامته غير متنازل عنه وغير مداهن لأهل الباطل، لذا افترقوا عنه. علي عليه السلام كان ينشد الوحدة ولكن ليست على حساب الحق.
كان علي عليه السلام ناشدا للوحدة واجتماع الكلمة ولكن بعد اجتثاث مادة الفساد من الأرض؛ فتجتمع الكلمة بعدئذ، فهذا على المدى الطويل يحقق وحدة إسلامية وألفة.
في الوحدة السياسية المزعومة أنها إسلامية هي وحدة سياسية تجتمع فيها الأبدان لا القلوب فما تلبث أن تنهار حتى تتكون فوقها وحدة أخرى على خلاف ما كانت الأولى، وذلك لأن المصلحة هي التي جمعتهم لا أكثر.
مثال: حينما اجتاح "حزب الله" بيروت اصطفت قطر معه وحركت أجهزتها الإعلامية لتبرير ذلك الاجتياح، وسافر الرئيس القطري آنذاك إلى سوريا وصوّر مع بشار وخرجا ببيان أن ما يحدث في لبنان شأن داخلي لا يحق لأحد التدخل به، بالرغم من أن النظام السعودي والمصري رفعا عقيرتهما
قطر التي اصطفت مع "حزب الله" ما أن صار "الربيع العربي" حتى تحولت ضدها بل مولت المسلحين في سوريا ضد "حزب الله" انقلبت البوصلة فتفكك التحالف العربي المزعوم فخرجت قطر وحوصرت فرجعت إلى أحضان إيران من جديد. هذه السياسة ليست فيها اتحادات دائمة فما هي إلا ألفة مصطعنة
إذا كان حال المسلمين في هذا اليوم على هذا الشكل! فكيف بهم في ذلك الوقت؟! ألا ترون أن أبا مسعود أحمق جاهل الذي اقترح على أمير المؤمنين عليه السلام أن يوقف الحرب ويعطي معاوية ولاية الشام؟!
أصل مشكلة معاوية وحربه ضد أمير المؤمنين عليه السلام هو أن يبقى على الشام واليا، وكتب له في ذلك: إن أعطيتني الشام جئت إليك ببيعة أهلها.
كان مطلب معاوية هو البقاء على الشام واليا، وهدد عليا عليه السلام إن لم يفعل فإنه سيقلب أحاديث فضائل أمير المؤمنين عليه السلام إلى أحاديث مثالب ويؤسس جبهة دعاية مضادة تشوّه صورة علي عليه السلام بل تصوره أنه لا يصلي.
إن صالح أمير المؤمنين عليه السلام معاوية الغدار فما تمضي سنتان حتى يتمترس معاوية ويجهز جيشه ويغدر بأمير المؤمنين عليه السلام. بل لو صالحه لأقر الإمام علي عليه السلام بشرعية معاوية وتركه ليكون واليا شرعيا على الشام يعبث بأموال المسلمين فينتعش الباطل وأهله.
أنت تكون بين طريقين:
1- بقاء علي عليه السلام واتباعه وهذا معناه بقاء الفرقة والتفرق وتمزق الأمة وبقاء سفك الدماء إلى أن يتم القضاء على رؤوس الش فهي حرب قد تطول وهي ذات كلفة باهضة تفسك فيها دماؤنا وتتمزق الأمة وتتشتت كلمتها.
وحدة الأمة والسلام والطمأنينة والراحة النفسية ولكل دينه واتجاهه وطريقه ولكل أمواله وممتلكاته ولكن لابد من إزاحة علي عليه السلام عن الطريق لأن وجوده لا يحقق الوحدة الإسلامية لأنه متصلب.
لك الخيار في أن تختار عليا عليه السلام والفرقة والتمزق وسفك الدماء معه؟ أم تختار الوحدة والسلام بلا علي وفي ذلك هدم أركان الهدى؟
باختصار: هل تختار عليا أم الوحدة الإسلامية؟
الجواب سهل في أن تقول اختار عليا عليه السلام ولكن لو كنت في ذلك الزمان مع كثرة الحرب والتمزق وسفك الدماء فهل تميل إلى الدعة أم تمضي مع علي عليه السلام؟
هل تختار عليا عليه السلام ومبادئ علي وتدفع الثمن باهضا من دمائك ودماء أسرتك وتتمزق الأمة؟ أم تختار الوحدة الإسلامية المزعومة والألفة والسلام والطمأنينة بإزاحة علي عليه السلام عن الطريق؟ ولكن بإزاحته عليه السلام تزيل معه الدين.
راحة الأمة في الدنيا بزوال علي عليه السلام؛ هكذا فكّر كثير من الناس آنذاك وهم من المحسوبين على علي عليه السلام، فكيف تضمن نفسك ألا تفكّر بهذه الطريقة؟ ألا يوجد في زماننا اليوم من يفكّر بمثل تفكير أبي مسعود؟!
كان يرى علي عليه السلام أنه إذا كانت كلفة هدم الباطل أن تتمزق الأمة فلتتمزق.
إذا كان الباطل لا يهدم إلا بتمزق الأمة فلتتمزق. ماذا صنع أصحاب الأمة اليوم؟ يعقدون اجتماعات ولقاءات ويصدرون بيانات ويتفقون على مواثيق شرف ثم ماذا؟ كأن شيء لم يكن! ألم يكن القرضاوي أحد أولئك، فأين هو الآن؟!
بعض الحمقى يريد عليا ومعاوية كليهما في خطين متوازيين يسيران وكل واحد منهما له جماعته.
كل واحد ممن عارض عليا عليه السلام له طموحات حيث أرادوا مناصب فأراد معاوية الشام وأراد طلحة والزبير وعائشة البصرة، وأرادوا الصرف من بيت مال المسلمين على ملذاتهم وشهواتهم من غلمان وخدم وشراء فنادق لرضاع الكبير.
ما تحملوا عليا عليه السلام فأرادوا إزاحته عن الطريق، وقالها علي عليه السلام صريحة لهم أن بإزاحتي سترتاحون وستجتمع كلمتكم بعدي.
في إرشاد المفيد ج1 ص320 قال عليه السلام: أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة وفيه تدور رحى السلطان ألا وإنكم حاجوا العام صفا واحدا وآية ذلك أني لست فيكم فكان أصحابه يقولون: إنه ينعى إلينا نفسه فضرب في ليلة تسع عشرة، ومضى في ليلة إحدى وعشرين من ذلك الشهر.
قال أمير المؤمنين عليه السلام قوله السابق في بداية شهر رمضان الأخير في حياته.
نظرة أهل الخلاف لعلي عليه السلام هي أنه فتح باب الفتنة وسفك الدماء بل متجرئا عليها. ففي البخاري برقم 2915: عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيا فقال لابن عطية وكان علويا إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك على الدماء.. إلخ.
في إمتاع الأسماع للمقريزي قال يوسف بن عمر والي الأمويين على العراق في خطبته: إن أول من فتح على هذه الأمة باب الفتنة وسفك الدماء هو علي وصاحبه الزنيجي.
حينما سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن سبب قتاله لأناس مسلمين وقالوا له كتابنا واحد وقبلتنا واحدة، فقال: قاتلناهم على عثمان فيقول أنه مؤمن ونقول أنه كافر! فليتك رأيت واقع اليوم أبا اليقظان (عمار) لما عرفت من تشيع اليوم شيئا بعد أن ترى من يأمر بالسكوت عن عثمان
كانت تأتي الكتب من الشام التي تدعو للصلح، فقال عمار: اليوم ألقى الأحبة: محمدا وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل. (المصدر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب ج3 ص1139).
هناك مولى (صبي) لابن عمر وأصله فارسي كان قد سباه ابن عمر وهو صغير فكبره وعلمه حتى صار من كبار أعلام الخلاف حتى قالوا أصح الأسناد عن نافع عن ابن عمر. سئل نافع: "وقيل لنافع: ما بال ابن عمر بايع معاوِية. ولم يبايع عليا؟ فقال: كان ابن عمر لا يعطي يدا في فرقة.. إلخ
جاء في الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر ج3 ص1418: وقيل لنافع: مَا بال ابْن عُمَر بايع مُعَاوِيَة. ولم يبايع عليا؟ فَقَالَ: كَانَ ابْن عُمَر يعطي يدا فِي فرقة، ولا يمنعها من جماعة، ولم يبايع مُعَاوِيَة حَتَّى اجتمعوا عَلَيْهِ.
جوابا علي صلوات الله عليه لمن كان يعيب عليه أنه كان يفرق الأمة؛ الأول: مع الطاغية عثمان لعنه الله، والثاني: مع الطاغية معاوية لعنه الله.
في شرح النهج: قال عثمان: نشدتك الله أن تفتح للفرقة بابا! فقال علي: ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻓﻤﻌﺎﺫ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺃﻓﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺑﺎ ﻭﺃﺳﻬﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻼ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﻧﻬﺎﻙ ﻋﻤﺎ ﻳﻨﻬﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﻫﺪﻳﻚ ﺇﻟﻰ ﺭﺷﺪﻙ
أرجو من جميع الرافضة أن يحفظوا العبارةويردون بها على المعترض: ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻓﻤﻌﺎﺫ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺃﻓﺘﺢ ﻟﻬﺎ ﺑﺎﺑﺎ ﻭﺃﺳﻬﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻼ ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﻧﻬﺎﻙ ﻋﻤﺎ ﻳﻨﻬﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﻫﺪﻳﻚ ﺇﻟﻰ ﺭﺷﺪﻙ
يطلبون منا السكوت والكف عن هدم الباطل وإحقاق الحق، ويريدون هم أن يبقوا على نشر الباطل والبقاء عليه!
الجواب الأول كان شفهيا (جوابه على عثمان)، أما الثاني فكان كتبيا تحريريا (جوابه على معاوية).
في نهج البلاغة الكتاب رقم 64: أما بعد فإنا كنا نحن وأنتم (معاوية) على ما ذكرت من الألفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم أمس أنا آمنا وكفرتم، واليوم أنا استقمنا وفتنتم. وما أسلم مسلمكم إلا كرها، وبعد أن كان أنف الإسلام كله لرسول الله صلى الله عليه وآله حزبا، وذكرت أني قتلت طلحة والزبير، وشردت بعائشة ونزلت بين المصرين، وذلك أمر غبت عنه فلا عليك ولا العذر فيه إليك وذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك فإن كان فيك عجل فاسترفه، فإني إن أزرك.. إلخ.
رد أمير المؤمنين عليه السلام بكتابه على معاوية الذي ذكر فيه (وشردت أم المؤمنين عائشة) فأجابه أمير المؤمنين عليه السلام بتجريدها من هذا اللقب. تدبّر والله لم يسم أحد من أئمتنا عائشة "بأم المؤمنين" ولا مرة.
كيف يعبّر "صلاح دين عصرنا" وغيره عن عائشة بأنها السيدة وهي مجردة من هذا الوصف ووصف أم المؤمنين؟! أيكون شيعي؟ لا.
هنا تفريع مهم: ألا يمكن تحقق الوحدة والألفة بين الأمة والتعايش السلمي على الأقل مع حدة اللهجة المعبر عنها في قاموسنا بصدق اللهجة؟
نجيب: بلى، يمكن تحقيق الوحدة والتعايش السلمي حتى إلى حد المودة والصداقة مع هذا الخطاب وحدته وصدق لهجته، وفي تاريخنا الشريف نماذج عديدة لهذا.