ملخّص الليلة الثلاثون والأخيرة، وهي عبارة عن تغريدات نشرها مكتب الشيخ على موقع التواصل الاجتماعي تويتر:
ملاحظة: هذه الليلة كانت مخصصة للإجابة عن إشكالات متداخل عبر مقطع مرئي، الذي تم عرضه في الليلة السابعة والعشرون، فراجع. بالإضافة إلى الإجابة عن مقطع آخر.
تقبل الله صيامكم وأعمالكم وأفرح قلوبكم في الدنيا والآخرة، وأعاد الله عليكم الشهر الكريم بالخير والبركات وبطاعة الله ورسوله وآله صلوات الله عليهم، وكل عام وأنتم بخير.
بقيت نقطة من حديث الأخ الحجازي صاحب المقطع المرسل: كون عمر منع السنة فهذا غير صحيح فهو القائل سيأتي أقوام يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.
الجواب: لو أنك تابعنا في السلاسل البحثية السابقة ومنها "أهل السنة أم أهل الخدعة؟!" لعرفت أن السنة في قاموس عمر ومن تبعه كمالك بن أنس لا تقتصر على سنة النبي صلى الله عليه وآله بل تمتد لتشمل سنة أبي بكر وعمر بل وسنة أهل المدينة. باختصار: السنة عندكم: التقاليد.
كثيرا ما كان الحديث النبوي الصحيح يُبطل بتلك السنن المزعومة وقد عددنا نماذج لهذا في سلسلتنا "أهل السنة أم أهل الخدعة؟!" فقول عمر على فرض ثبوته لا يفيد في تثبيت كونه نصيرا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله إذ مفهوم السنن عنده لابد من استطلاعه وتنقيحه.
إن أمورا جرى عليها عمر وأهل المدينة وتخالف السنة النبوية فأُبلطت السنة النبوية وعُمل ما جرت عليه عاداتهم. وحينما يُحتج على عمر أنه خالف السنة فيعبر بتعبير أنه مساوٍ للنبي صلى الله عليه وآله فيقول: أنا زميل محمد!.
هذا على فرض ثبوت قول عمر، وإلا هو لم يصح، وقلنا لك لا تلعب معنا لعبة الأسناد فإنها تكلفك الكثير وقد بينا ذلك البارحة.
قلنا لك ناصحين أن لا تلعب لعبة الأسناد فإنها سترتد عليك. لعبت لعبة الأسناد وأردت دفع حديث عمر (امسح يدك باستك) فوقعت في فخ لعبة الأسناد. فإذا كنت تلعب بالسند هناك فيكف احتججت بالأثر عن عمر وهو لم يصح حيث أنه فيه ضعاف والخبر منقطع.
ثم قلت أن نهي عمر عن كتابة الحديث لا التحديث وذلك حتى لا يختلط القرآن بالحديث فيشتبه الناس. الرد: هذا الدفاع عن عمر هو دفاع سمج فلو كان فعلا أنه أراد أن يختلط القرآن بالحديث فيبدو أن خلاف العقل لأنه حتى الطفل الذي بدأ يتذوق اللغة العربية يفرق.
أسلوب القرآن معجز وله سبك خاص لا يشبهه شيء. لا يشبه القرآن شيئا آخر سواء كان كلام النبي صلى الله عليه وآله أو غيره. بإمكانك أن تجري اختبارا بأن تمزج آيات بأحاديث واتله على ابنك فإنه يميز في مفردات القرآن ومفردات الأحاديث.
تجد خطب النبي صلى الله عليه وآله فيها استشهادا بآيات، فلو حتى لم تسمع بتلك الآية فإنك تميز بين الآية وبين قول النبي صلى الله عليه وآله هذا ونحن في هذا الزمان حيث ابتعدنا عن اللغة فكيف بذلك الزمان حيث كانوا أهل اللغة ونزل بينهم القرآن وقد تواتر عندهم؟!
هل هذا الدفاع عن عمر إلا سفه من القول، بل إن القائل قد لا يؤمن بأن الله تكفل بحفظ كتابه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
التبرير لعمر أنه منع كتابة الحديث النبوي كي لا يختلط بالقرآن هو قول يبين أن عمر لا يؤمن بحفظ كتاب الله واحتمالية وقوع التحريف حيث يمكن أن يدخل فيه ما ليس منه.
إذا أعذرت عمر في منعه كتابة الحديث فما تقول في معاقبته لرواة الحديث حيث جاء في تذكرة الحفاظ ج1 ص7: .. فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم فلما قدم قرظة بن كعب قالوا حدثنا فقال نهانا عمر!
هل أحاديث النبي صلى الله عليه وآله تصد عن القرآن أم أنها ترشد إليه؟! قول عمر بذاته يثبت كفره ونفاقه. السنة تفسر القرآن فهو حمّال أوجه فإذا منعت الحديث جاء أهل الأهواء وفسروا القرآن بأهوائهم وهذا ما حدث.
فأين كلامك أن عمر ما نهى عن التحديث وإنما نهى عن كتابة الحديث؟! تقدم ما يثبت أن عمر نهى عن كتابة الحديث والتحديث، فلا تتعذر بأعذار سخيفة.
يكمل الذهبي في تذكرة الحفاظ ج1 ص7: عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقلت له أكنت تحدث في زمان عمر هكذا فقال لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته!
ويكمل الذهبي في تذكرة الحفاظ ج1 ص7: أن عمر حبس ثلاثة بن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!
المقدار الذي روي عن النبي صلى الله عليه وآله في زمان عمر هو مقدار ضئيل جدا وفيه موضوعات. فلا تقل أن عمر ما نهى عن التحديث بل نهى عن كتابة الحديث.
آخر ما قاله الأخ الحجازي دفاعا عن عمر: قال رسول الله: كيف وإني تارك فيهم كتاب الله فقال جبريل بكتاب الله يضلون من قبل أمرائهم (حكامهم) وقرائهم (فقهائهم). فأخذنا هذا دليل إدانة على عمر إذ كيف قال حسبنا كتاب الله وهو يروي أن الكتاب لوحده غير عاصم من الضلال.
اللطيف أن يأتينا الأخ الحجازي ويقول انظروا كيف يقول النبي صلى الله عليه وآله: "تارك فيهم كتاب الله" فلم يقل تارك فيكم كتاب الله والسنة فالكتاب يرشدنا تلقائيا للسنة.
الجواب: في ذيل الرواية وهو أن جبرئيل صحح للنبي صلى الله عليه وآله (بناء على اعتقادكم) فقال بكتاب الله يضلون، لذا أراد النبي صلى الله عليه وآله كتابة الكتاب في رزية الخميس كي لا يضلون.
صحح جبرئيل للنبي فتبع النبي جبرئيل فلذا جاء النبي وأراد كتابة آخر في رزية الخميس فلا يدان هنا (أتحدث بلغة أهل الخلاف). وموقفه لا يشبه موقف عمر حيث أنه لم يتابع النبي وجبرئيل بل قال حسبنا الله كتاب الله رافضا كتابة الكتاب الآخر العاصم من الضلال.
التمسك بالكتاب يجر إلى التمسك بالسنة كما تزعم فلو كان هذا الاحتمال قائما لما منع عمر كتابة الكتاب في رزية الخميس حينما أراد النبي توثيق تلك السنة. وهذا كله كاشف عن أن عمر لا يحمل المعتقد الذي تحمله.
إذا كان الكتاب يرشد إلى السنة فلماذا خالف عمر السنة، كتحريم المتعتين، وجعله الطلاق ثلاثا بمنزلة الواحدة،
عمر أمات السنة وأحيى البدع الجاهلية من جديد فجاء بالجاهلية الثانية تجد ذلك مفصلا في سلسلة "الجاهلية الثانية! كيف دخلنا فيها وكيف نخرج منها؟".
ثم إن عمر هو الراوي وهو نفسه المتهم في السنة فكيف نقبل حديثه؟!
ثم إن النبي صلى الله عليه وآله قد جمع مع الكتاب سنته وعترته قولا وعملا كما في إصراره على كتابة الكتاب في زرية الخميس، فأين هذا عن عمر؟! هل يروي عمر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يؤكد على التمسك بالكتاب والعترة والسنة؟!
إذا وجدنا رواية عن النبي صلى الله عليه وآله يؤكد فيها على التمسك بالقرآن، لا يمكن حينها أن نعتبر أن النبي صلى الله عليه وآله لا يقصد بذلك السنة أيضا، لأننا وجدناه صلوات الله عليه وآله أكد على القرآن والسنة قولا وعملا.
أين أكد عمر على سنة النبي صلى الله عليه وآله أو على عترته أو على الثقلين قولا وعملا؟! بل الموجود خلافه لا النهي عن كتابة الحديث بل حتى عن التحديث!
هل اجتهد (بذل الجهد) عمر في تبيان السنة ونشرها كما اجتهد النبي صلى الله عليه وآله؟ كلا، فهو غير ملاحظ البتة في سيرة الطاغية عمر، بل كل الذين تأثروا بعمر ومنهجه كانوا قد حرموا إفشاء السنة على أنفسهم ومنهم ابنه عبد الله.
في سنن ابن ماجه برقم 26: جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا.
فما معنى رواية الكم الهائل عن ابن عمر أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وآل؟! الجوب: كثير من الروايات المروية عندكم عن ابن عمر مكذوبة عليه فهو لم يروِ إنما رُكَّب الإسناد لاحقا. الأصل في التراث البكري هو وضع الأحاديث طبقا لمصلحتهم.
الروايات الكثيرة المروية عن ابن عمر لا تنسجم مع شخصية ابن عمر وسلوكه وسجيته. هذه ليست أمرا هينا بل تكشف لك واقعا خطيرا.
المعلوم بالضرورة هو ظاهرة الوضع والوضاعين عند الفريقين، ولكن الخطأ الذي يقع فيه أنصاف المتعلمين هو أنهم ينظرون للسند لمعرفة الحديث الصحيح. إن الذي وضع المتن هل يعجزه أن يضع السند؟! بل وضع السند أسهل.
لمعرفة الحديث الصحيح عند الإمامية لابد من ملاحظة المجموع سندا ومتنا وشواهد ومعضدات وسياق تاريخي وموافقة القرآن وموافقة الشهرة ومخالفة العامة. على عكس العامة الذين ينظرون للسند فقط وكأن الذي وضع المتن أعجزه وضع السند!
ليس كل حديث صحيح السند مقبول، وليس كل حديث ضعيف السند مردود.
لماذا يختلق الوضاع حديثا؟ ليتكسب به. وبما أنه لا شيء من الدنيا عند الشيعة وكانوا مضطهدين على مر الأزمان لذا تجد ظاهرة الوضع والوضاعين عندهم قليلة، ولا يمكن الوضاع أن يضع حديثا مخالفا للعامة لتكسب منهم.