القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد عليهم السلام فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.
الحمد لله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله، لنكون لإحسانه من الشاكرين، ويجزينا على ذلك جزاء المحسنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، أرسله بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، وأعطاه المقام المحمود والشفاعة. ختم به الأنبياء والرسل، وأحيا به القِيَم والمُثُل. أرسله والدنيا مظلمة فاستنارت، وأتم نوره بخَلَفٍ له من الأوصياء، والأطهار النجباء، أولهم علي، وآخرهم المهدي. أئمة اثنا عشر، وسادة كل البشر، لا يمتري فيهم إلا مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً. صلّى الله عليهم صلاةً تربو وتزيد، لا تفنى ولا تبيد. ولعن الله أعداءهم ولا سيما عتيقا وعمر وعثمان وعائشة وحفصة ومعاوية ويزيد.
أما بعد عباد الله؛ فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن تعرفوا حق بعضكم على بعض، إذ جمعتكم رِبْقَةُ الإيمان. قد قال ربكم جل وعلا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّـهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا».
وقد قال إمامكم الصادق عليه السلام: «إن على المؤمن سبعة حقوق، فأوجبها أن يقول الرجل حقا وإن كان على نفسه أو على والديه؛ فلا يميل لهم عن الحق». ولقد سأل المعلّى بن خنيس الإمام عليه السلام عن هذه الحقوق فقال له: «سبع حقوق واجبات، ما منها حق إلا واجب عليه ، إن خالفه خرج من ولاية الله، وترك طاعته، ولم يكن لله فيه نصيب. قال: قلت حدثني ما هن؟ فقال: ويحك يا معلى، إني عليك شفيق، أخشى أن تضيع ولا تحفظ، وأن تعلم ولا تعمل. قال: قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال عليه السلام: أيسر حقٍّ منها أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك، والحق الثاني أن تمشي في حاجته وتتبع رضاه ولا تخالف قوله، والحق الثالث أن تصله بنفسك ومالك ويديك ورجليك ولسانك، والحق الرابع أن تكون عينه ودليله ومرآته وقميصه، والحق الخامس أن لا تشبع ويجوع، ولا تلبَس ويعرى، ولا تروى ويظمأ، والحق السادس أن يكون لك امرأة وخادم وليس لأخيك امرأة وخادم فتبعث بخادمك فتغسل ثيابه، وتصنع طعامه، وتمهد فراشه، فإن ذلك كله لما جعل بينك وبينه، والحق السابع أن تبر قسمه، وتجيب دعوته، وتشهد جنازته، وتعود مريضه، وتُشْخِص ببدنك في قضاء حوائجه، ولا تلجئه إلى أن يسألك، فإذا حفظت ذلك منه فقد وصلْتَ ولايتك بولايته؛ وولايتَه بولايته تعالى».
فكونوا يا أيها المؤمنون كما أرادكم الله ورسوله وأئمتكم عليهم السلام، إخواناً في أسرة واحدة، برَّةٍ متعاضدة، روحها المودة، متخادمة متباذلة، قوامها العدل والقول بالحق ولو على القريب. «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».
الحمد لله كما حمده الأصفياء، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، محمد وآله الأتقياء، واللعنة على أعدائهم الأشقياء.
معاشر المؤمنين! قال رجل للإمام أبي جعفر محمد بن علي التقي الجواد صلوات الله عليهما: أوصِني ، قالَ عليه السلام : و تَقبَلُ ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : تَوسَّدِ الصَّبرَ ، واعتَنِقِ الفَقرَ ، و ارفُضِ الشَّهَواتِ ، و خالِفِ الهَوى ، و اعلَمْ أنّكَ لَن تَخلُوَ مِن عَينِ اللّه ِ ، فانظُرْ كَيفَ تَكونُ.
وصية إمامكم هذه لا تغفلوا عنها، تضمنوا لأنفسكم النجاة من الهلكات، وتلقون ربكم وهو عنكم راض.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. وصل على عبادك الأطياب، محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن المجتبى، والحسين سيد الشهداء، وعلي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن الزكي العسكري، والحجة القائم المهدي.