29 محرم الحرام 1439
استفاض في مصادر السنة والأثر أن عمر بن الخطاب كان يترك خاتم النبيين صلى الله عليه وآله ويذهب إلى اليهود لينتسخ منهم التوراة المحرفة ويتعلم منهم مع أنهم أهل كفر وضلالة حذَّرَ الله منهم، وقد أدى هذا التصرف من عمر إلى إغضاب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبًا شديدًا حتى أدلى بتصريحات ضده.
هذه الحقيقة ثابتة بالسند الصحيح حيث يقول ابن كثير: «من أعرض عن هذا القرآن واتبع غيره من الكتب فإنه يناله هذا الوعيد، كما قال في الحديث المروي في المسند، والترمذي، عن أمير المؤمنين علي، مرفوعًا وموقوفًا: من ابتغى الهدى في غيره أضله الله. وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج بن النعمان، حدثنا هشيم، أنبأنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر: أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فغضب. وقال: أَ مُتَهوِّكون فيها يابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدِّقوا به، والذي نفسي بيده؛ لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني. إسنادٌ صحيح. ورواه أحمد من وجه آخر عن عمر؛ وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده؛ لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضَلَلْتُم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين. وقد أوردتُ طرق هذا الحديث وألفاظه في أول سورة يوسف، وفي بعضها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال في خطبته: أيها الناس إني قد أوتيتُ جوامع الكلم وخواتيمه، واختُصر لي اختصارًا، ولقد أتيتكم بها بيضاء نقيَّةً فلا تتهوَّكوا، ولا يغُرَّنَّكُم المتهوِّكون. ثم أمر بتلك الصحيفة فمُحِيَتْ حرفًا حرفًا». (البداية والنهاية لابن كثير ج1 ص457)
وقد اعترف ابن الخطاب بأنه قد اتخذ (أخًا) له من اليهود من بني قريظة يكتب عنه كتب اليهودية الباطلة، حيث أخرج أحمد بن حنبل عن عبد الله بن ثابت الأنصاري قال: «جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جوامع من التوراة فقال: مررتُ على أخ لي من قريظة يكتب لي جوامع من التوراة؛ أ فلا أعرضها عليك؟ فقال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلتُ: أما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا. قال: كان بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو أن موسى عليه السلام أصبح فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني؛ لضللتم. أنتم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين». (مسند أحمد ح15864)
إذن لقد (تهوَّكَ) عمر وكان من (المتهوِّكين). وإذا أردنا أن نعرف معنى هذه الكلمة فيجب علينا الرجوع إلى معاجم اللغة.
يقول ابن منظور: «الأَهْوَكُ الأَحمق وفيه بقيَّةٌ، والاسم الهَوَكُ، وقد هَوِكَ هَوَكًا. ورجل هَوَّاك ومُتَهَوِّك: متحير؛ أنشد ثعلب: إذا تُرِكَ الكَعْبيُّ والقَوْلَ سادِراً؛ تَهَوَّكَ حتى ما يَكادُ يَرِيعُ. وقد هَوَّكه غيرُه. والأَهْوَكُ والأَهوَجُ واحد. والتَّهَوُّكُ السقوط في هُوَّة الرَّدى. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنَّا نسمع أحاديث من يَهُودَ تعجبنا أ فَتَرى أن نكتبها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أ مُتَهَوِّكونَ أنتم كما تَهَوَّكَتِ اليهودُ والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقِيَّةً. قال أبو عبيدة: معناه أمُتَحَيِّرونَ أنتم في الإسلام حتى تأخذوه من اليهود؟ وقال ابن سيده: يعني أ متحيرون؟ وقيل: معناه أمُتَرَدِّدُونَ ساقطون؟ وإنه لمُتَهَوِّكٌ لما هو فيه أي يركب الذنوب والخطايا. الجوهري: التَّهَوُّكُ مثل التَّهَوُّر، وهو الوقوع في الشيء بقلة مُبالاة وغير رَوِيَّةٍ. والتَّهَوُّك التحيُّر. ابن الأَعرابي: الأَهْكاء المُتَحيرون، وهاكاه إذا استصغر عقله. والمُتَهَوِّك الذي يقع في كل أَمر. وفي الحديث من طريق آخر: أن عمر أتاه بصحيفة أخذها من بعض أهل الكتاب فغضب وقال: أ مُتَهَوِّكونَ فيها يا ابن الخطاب». (لسان العرب - مادة هوك)
فعلى هذا لا يكون ابن الخطاب عند النبي صلى الله عليه وآله إلا أحمقَ، ضالًّا، متهوِّرًا، متحيِّرًا، ساقطًا في هُوَّة الرَّدى، يركب الذنوب والخطايا. بل هو أحمق الحمقىٰ وأضل الضالين وفقًا لحديث نبوي في هذا المعنى، ففي (تفسير السيوطي ج6 ص471): «عن يحي بن جعدة رضي الله عنه قال: جاء ناس من المسلمين بكتب قد كتبوها فيها بعض ما سمعوه من اليهود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بقوم حُمقًا أو ضلالةً أن يرغبوا عمّا جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم. فنزلت: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».
وفي (أصول الإيمان لمحمد بن عبد الوهاب ص258): «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوراة، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قومٌ رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم. ثم أنزل الله: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».
فهذا هو الحكم النبوي على عمر بن الخطاب: إنه أحمق الحمقى وأضل الضالين. وكيف لا يكون كذلك وهو الذي يترك سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله ويتوجه إلى قوم كفار ضالين مغضوب عليهم في كتاب الله بغرض أن ينتسخ منهم ما شهد الله أنه محرَّف مكذوب عليه؟! كيف لا يكون أحمق الحمقى وأضل الضالين وهو يترك المنبع الصافي ويذهب إلى مستنقع قذر يأخذ منه ما يزعم أنه دين؟!