ما طبيعة العلاقة بين عائشة ومعاوية؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين

و اللعنة الدائمة الوبيلة على أعدائهم و ظالميهم أجمعين

سماحة الشيخ الفاضل أستاذي في التعرف على ديني و البرآءة من أعداء الله تعالى ، سماحة الشيخ الفاضل ياسر حبيب ، سلام عليكم :

ما هي طبيعة علاقة عائشة مع معاوية هل كانا متفقان أم متعارضين ؟ و هل فعلا سجدت شكرا للشيطان لضربة إبن ملجم لعنة الله عليهما على فرق رأس الأميرالمؤمنين عليا عليه السلام و سمت غلامها تيمنا بعبد الرحمن ابن ملجم ، بعبد الرحمن لعنة الله عليه وهل العرب كانوا يغيرون في أسماء العبيد ؟

مع ذكر شواهد و دلائل ؟ مع ذكر المصادر .

و هل فعلا طلقها أميرالمؤمنين عليا عليه السلام كيف و هي زوجة أو من نسآء النبي صلى الله عليه و آله ، و هل هذا يقع ضمن الدائرة الولاية التشريعية الثابتة للإمام عليه السلام كما هو بين ، و لكن الشبهة هي الطلاق بعد الممات ، و هل الولاية التشريعية للإمام صلوات الله و سلامه عليه يحيط و يهيمن على ولاية التشريعية لرسول الله صلى الله عليه و آله و كذلك هل تحيط هذه الولاية كل ما تخص رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بعد رحيله صلى الله عليه و آله ، مع ذكر الأدلة لو سمحتم ؟

سماحة الشيخ إني أعرف إني قد أثقلت عليك كثيرا و لكن يشهد الله إني أحبك ولو إلتقيتك قبلت ما بين عينيك ، ولكن بالفعل إني محتاج و لكل سؤال من هذه الأسئلة جوابا شافيا وافيا شاملا ، فلم أرى ملاذا من العلمآء الذين يخافون من طرح مثل هذه المواضيع ، و ليس لي غيركم أن أسئله و يشهد الله إني قد أحجمت عن ذكر أسئلة عديدة أخرى كان تخالج خاطري خوفا من الإثقال عليك و قد فعلت ، و لكن قد وقفت على سؤال 12 تيمنا بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام من آل محمد صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين و اللعنة الدائمة و الوبيلة على أعدائهم و ظالميهم أجمعين ، و آمل منك بحق الزهرآء أن تسامحني و تجاوبني بشكل وافي على أسئلتي هذه ، أرجوا من الله أن يحفظك ذخرا لنا يا شيخنا الطيب إبن طيب ، و رحم الله والديك ، فقد أنجبوا خير مدافع عن أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام ، و لي أسئلة أخرى أطرحها في وقت آخر إن شاء الله تعالى والسلام و لا تنسوا دعاء الغريق في زمن الفتن و بهذا النص فقط : بسم الله الرحمن الرحيم يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك . إنتهى

اللهم صل على محمد و آل محمد الأطيبين الأطهرين و اللعنة الدائمة و الوبيلة على أنجس الخلائق و أنتنهم أبابكر و عمر و عثمان و من والوهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .

لا تنسونا من صالح دعائكم لنا بالتوفيق لنيل رضى الإمام الحجة عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف ، في الدين و الدنيا و الآخرة .

حفظكم الباري من كل سوء


باسمه عز اسمه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا الإمام محمد الباقر صلوات الله وسلامه عليه. جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثاره مع ولده المنتظر المهدي الحجة أرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء وعجل الله فرجه الشريف.

كانا على وئام في البداية لوجود عدو مشترك لهما وهو أمير المؤمنين ومولى الموحدين صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن أهدافهما كانت مختلفة، فعائشة كانت تريد الحكم لابن عمها وعشيقها طلحة في المقام الأول أو ابن أختها عبد الله بن الزبير في المقام الثاني، أملا في أن ترجع إليها حظوتها في الحكم من خلالهما. أما معاوية فكان يريد الحكم لنفسه ولبني أمية.

وانصدمت عائشة بالأمر الواقع وهو أن عليا (صلوات الله عليه) انتصر وذهب طلحة والزبير إلى الجحيم، فانطوت على نفسها مملتئة غيظا وحقدا على الإمام عليه السلام، إلى أن بلغها أنه قُتل فسجدت وأظهرت شماتتها وتمثّلت بالبيت المعروف: "فألقت عصاها واستقرّ بها النوى.. كما قرّ عينا بالإياب المسافرُ"! ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد. فقالت: "فإن يكُ نائيا فلقد نعاه.. غلام ليس في فيه الترابُ"! فقالت زينب بنت أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت للفرار من بشاعة جريمتها: "إني أنسى! فإذا نسيت فذكروني"! (راجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص54 وتاريخ الطبري ج4 ص115 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص394 والتمهيد لابن عبد البر ج19 ص162).

ثم لما استولى معاوية على الأمر داهنها واستمالها بالمال السياسي، إذ كان يعرف أنها مشاغبة وقد تؤلّب الناس عليه كما ألبت على عثمان من قبل وكانت السبب في قتله لأنه أنقص من عطائها أي راتبها السنوي ولم يعطها ما كان يعطيها عمر، بل ساوى بينها وبين سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله.

ومن الصور التاريخية المنقولة عن رشاوى معاوية لعائشة؛ ما رواه ابن كثير من أن معاوية بعث إلى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مئة ألف، فقبلته! وأنه قضى عنها ثمانية عشر ألف دينار! (راجع سيرة ابن كثير ج7 ص137 وج8 ص136) وما رواه أبو نعيم من أن معاوية أهدى لها ثيابا وورقا وأشياء توضع في أسطوانها! (حلية أبي نعيم ج2 ص48) وما رواه ابن سعد من أنه بعث لها في ليلة واحدة مبلغا عظيما من المال يتجاوز عشرة آلاف درهم! (طبقات ابن سعد 5 ص18) وأن والي معاوية على البصرة عبد الله بن عامر أرسل إليها بنفقة وكسوة من بيت مال البصرة! (مسند أحمد ج6 ص77).

وبسبب تلك الرشاوى لم ترفع عائشة لواء المعارضة لمعاوية، وهوّنت من أمر جرائمه الواضحة مثل جريمة قتل حجر بن عدي (رضوان الله تعالى عليه) حيث ورد أنها وبضغط من أهل المدينة أرسلت مبعوثا هو عبد الرحمن بن الحرث بن هشام إلى معاوية في الشام ليتوسط في أمر إطلاق سراح حجر، لكن المبعوث وصل متأخرا بعدما وقعت جريمة القتل وانتهت، فعاد خائبا إلى المدينة. إلا أن عائشة لم تبدِ تلك "الحمية" تجاه ما وقع! وهوّنت منه حين قالت: "لولا أنّا لم نغير شيئا إلا آلت الأمور إلى أشد مما كنا فيه؛ لغيرنا قتل حجر"! (تاريخ الطبري ج4 ص192 والكامل لابن الأثير ج3 ص209). وقصدها من قولها أنها اكتشفت – حسب زعمها – من تجاربها السابقة أنها كلما تحرّكت تحركا سياسيا معارضا لإسقاط الحاكم وتغييره؛ تغيّرت الأمور إلى الأشد والأسوأ! لذلك فهي تمتنع عن الاعتراض على جريمة قتل حجر وأصحابه وتسكت عنها ولا تناوش معاوية كما ناوشت عثمان مثلا وبعده أمير المؤمنين (عليه السلام) بدعوى الإصلاح أو رفع المظالم! وهي تفضّل أن يبقى معاوية على رأس السلطة مع ظلمه وجوره حتى لا تؤول الأمور إلى الأسوأ!

إلا أن العلاقة بين عائشة ومعاوية شابها بعد ذلك نوع اهتراء وبرود إذ لم تجد عائشة أن لها تلك الحظوة التي كانت تتمناها، كما أنها فقدت أملها في أن يغدو ابن اختها خليفة، أضف إلى ذلك تقدّمها في السن وهرمها وعجزها. ومن هنا صدرت منها بعض الانتقادات ذات الطابع الخفيف لمعاوية وبني أمية، فشاب العلاقة بعض التوتر خاصة مع تصدي أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم والي معاوية على المدينة في أمر استخلاف يزيد. فما كان من مروان إلا أن اغتاله بأمر معاوية وهو في طريقه إلى مكة حيث هلك في موضع يُقال له الحبشي. (راجع في ذلك الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص393 والكامل لابن الأثير ج3 ص199).

وأما عن عبدها الذي سمته عبد الرحمن، فقد روى السيد المرتضى في الشافي عن مسروق أنه قال: "دخلت على عائشة فاستدعت غلاما باسم عبد الرحمن، فسألتها عنه. فقالت: عبدي. فقلت: كيف سميته بعبد الرحمن؟ قالت: حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي"! (الشافي في الإمامة ج4 ص306).

وأما عن تسمية العبيد بأسماء فإن ذلك كانت عادة العرب حين شرائهم، ولا يشترط أن تكون (لعنها الله) قد غيرت اسمه، فقد تكون قد اشترته بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) فأسمته بهذا الاسم. هذا على رواية السيد. أما على رواية الشيخ أبي الصلاح الحلبي فإنها تكون قد أطلقته وغيّرت اسمه، إذ جاء: "قد بشرها بعض عبيدها بقتل صلوات الله عليه فقالت: فإن يك نائيا فلقد نعاه ناع ليس في فيه التراب! ثم قالت للعبد: من قتله؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم. قالت: فأنت حر لوجه الله! وقد سمّيتك عبد الرحمن. ثم تمثلت ببيت آخر: وألقت عصاها واستقر بها النوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر"! (تقريب المعارف ص411).

وتغيير الأسماء كان أمرا معتادا، كما غيّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسماء كثيرين من أصحابه، فقد غيّر مثلا اسم أحدهم وكان (حزن) إلى (سهل)، وآخر كان اسمه (عاص) غيّره إلى (عبد الله)، بل إنه (صلى الله عليه وآله) غيّر أسماء قبائل بأكملها، كقبيلة (بني مغوية) التي أسماها (بني رشدة). وهكذا. (راجع الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر والشواهد كثيرة).

أما الطلاق الذي أوكله رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو يختلف تشريعيا عن الطلاق المتعارف بالنسبة إلى سائر المكلفين، فإن للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) أحكام خاصة، وهذه من بينها. ومعنى الطلاق هنا هو كما شرحناه سابقا هو أنه يُباح لها أن تتزوج بعد رسول الله وتنكح غيره ويُسقط عنها شرف أمومة المؤمنين، كما ورد عن إمامنا صاحب العصر صلوات الله عليه، وقد ذكرنا النص والمصدر في جواب سابق فارجع إليه. وعليه فلا إشكال ولا شبهة فيه لأنه حكم خاص وإن كان مختلفا عن أحكامنا.

ويمكن أيضا إدخال ذلك ضمن دائرة الولاية التشريعية للمعصوم، مع أنه – أي التطليق - بالأصل وكالة خاصة من صاحب الشريعة، كما ثبت بالنص. والإمام مهيمن بالضرورة على ما كان رسول الله مهيمنا عليه إذ هو نفسه ويقوم مقامه في دائرة التشريع.

وفقكم الله لرفع راية الولاية ولنصرة آل محمد والانتقام من أعدائهم وسندعو لكم على أن تبادلونا الدعاء لنا بالخير وحسن العاقبة. والسلام.

ليلة السابع من ذي الحجة لسنة 1427 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp