بسم الله الرحمن الرحيم
سماحه العلامه الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله
السلام عليکم و رحمه الله و برکاته
عظم الله اجورنا و اجورکم بمصاب مولانا سيدالشهداء ارواحنا له الفداء و جعلنا و اياکم من الطالبين بثاره،مع وليه و کلمته الاکبر،الامام الثاني عشر،الحجه القائم المنتظر...
شيخنا الفاضل
لقد اصدر موخرا فتوي الجديده العجيبه من اعداء الشعائر الحسينيه-من عوام الناس-حول تحريم التطبير،و هم يستندون-بزعمهم-الي الادله السبعه:
1)لا يصدق عنوان الجزع علي التطبير
2)عرف المتشرعه لا يقبل هذا العمل!
3)العقلاء لا يقبلون التطبير!
4)صدور حکم من قبل ولي الفقيه!في تحريم هذه الشعيره،و حکمه نافذ علي الجميع،و ان کانوا غير مقلديه،وحتي المراجع العظام،و ان لم يعتقدوا بولايه الفقيه المطلقه!!
5)التطبير خرافه و يوجب وهنا لمذهب الشيعه!!
6)لا يوجد نصا من قبل الشارع علي التطبير!
7)التطبير اضرار بالنفس و لهذا هو في نفسه عمل حرام!!
مولانا،ما هو ردکم علي هذه الادعاء السخيفه الضعيفه؟؟
نسال الله تعالي ان يعيدکم الي وطنکم غانمين سالمين،و يحفظکم من شرور و کيد الاعداء،و يوفقکم الي کل ما يحب و يرضي،و يغفر لکم و ايانا بکرامه الزهراء،و جعلکم من المدافعين عن المذهب الولايه والايمان،و عاملکم بالخير والاحسان.
اخوکم:خادم الزهراء
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بسيدنا ومولانا سيد الشهداء الحسين (صلوات الله عليه) جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع مولانا ثائر آل محمد صاحب العصر والزمان الإمام الحجة بن الحسن المهدي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين.
هذه الأدلة واهية ولا يتشدق بها إلا من جهل مباني الفقه، وإنّا نعجب من أمثال هؤلاء الجهلة في هذا الزمان كيف أنهم يتجرأون كل هذه الجرأة على أحكام الله تعالى بالفتيا فيحللون ويحرمون كيفما شاءوا بلا علم ولا فقه، ويتبعهم في ذلك السذج ومرضى القلوب، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وإليك الجواب عما سألت:
(1) إن معنى الجزع هو نقيض الصبر، وكلٌ من الجزع والصبر عام يشمل أفراد، فما لم يكن من الأول كان من الثاني، وما لم يكن من الثاني كان من الأول، بلحاظ المناقضة. فإن زُعم أن التطبير ليس من الجزع؛ وجب أن يكون من الصبر! ولا عاقل يقول بهذا لوضوح أنه ليس من الصبر عقلا وعرفا ولا يصدق عنوان الصبر عليه البتة، فلا مفرّ من أن يكون من الجزع فيصدق عنوانه عليه، ويكون تاليا مشمولا بقاعدة أن كل الجزع مكروه ما خلا الجزع على الحسين الشهيد صلوات الله عليه، فتثبت مطلوبيته.
(2) هذا ادعاء ينقصه الدليل، فإن عرف المتشرعة يقبل التطبير بدلالة مشاركتهم فيه قديما وحديثا، وحسبك دليلا مشاركة الفضلاء والمجتهدين كل عام كما هو المشاهَد والمعايَن، فكيف يُدّعى أن عرف المتشرعة لا يقبله؟! على أننا حتى لو لم نجد المتشرعة يشاركون فيه لما كان ذلك كافيا لادعاء عدم قبولهم به، إذ يكفي سكوتهم عنه لتثبيت أصل الإباحة ما لم يصدر منهم الإنكار، وغير خفي أنه لم يصدر من أحد منهم إنكار لا قديما ولا حديثا، إلا ممن لا يُحسب أصلا من المتشرعة لعدم أهليته.
(3) وهذه أكثر تهافتا من سابقتها! إذ لكي يثبت أن فعلا ما يقبله العقلاء أو يرفضونه فلا بد من أن يجتمع العقلاء على قبوله أو رفضه، وهذا هو معنى بناء العقلاء في علم الأصول، واعتباره إنما يكون حين يتحقق اجتماعهم الكاشف عن موافقة ذلك الفعل أو مناقضته للشرع باعتبار حجية العقل، لا أنه تقبله فئة منهم وترفضه أخرى، فذلك لا يعدّ من بناء العقلاء ويكون خارجا عنه لظهور الاختلاف الكاشف عن أن المسألة اجتهادية أو حتى ذوقية. وفي مسألة التطبير لا إجماع منهم على رفضه فلا يمكن الادعاء بأنه مناقض لبناء العقلاء! وتكون المسألة إذ ذاك خارجة عن هذا الإطار، بل نتحدى أن يُؤتى حقا بعاقل يملك فهما وعلما يرفض التطبير فإنّا لا نجد غير الجبناء والمنهزمين وضعاف النفوس والممالئين للنواصب يشنعون على شعيرة التطبير المقدسة! وهؤلاء إنما يرفضونه لتأثير هذه العناصر النفسية عليهم لا أنهم يرفضونه لتأثير عقولهم، فيسقط الادعاء كلية.
(4) لا تثبت ولاية الفقيه إلا على مقلديه، وفي الموضوعات العامة لا بد لإمضاء الحكم العام من صدوره من شورى الفقهاء المراجع، إذ ليس في الأدلة ما يرجّح حكم الواحد من النواب العامين على الآخر ما دام الاختلاف في تحديد مسألة الأعلمية والأعدلية متحققا، فيكون الجميع على التساوي في اعتبار ما يصدر منهم من الفتاوى والأحكام ويُرجع في الموضوعات العامة حينذاك إلى قاعدة الشورى للترجيح ولتثبيت الرأي الغالب المتحصل من المشاورة فيكون المخالف له مشمولا بالنهي عن خرق الجماعة ومن هذه الجهة يتحقق إلزامه. ومسألة التطبير ليست من الموضوعات العامة بل هي حكم تكليفي استحبابي هذا أولا؛ وأما ثانيا فلم يصدر حكم فيها من شورى الفقهاء المراجع، وأما ثالثا فمن صدر منه التحريم ليست له الولاية حتى على مقلديه لأنه فاقد لشروط الفقاهة والاجتهاد، وبذا يسقط المدّعى.
(5) بل هو حقيقة مارسها أنبياء الله العظام كإبراهيم وموسى (عليهما السلام) إذ ورد في الأخبار أن الله تعالى قد أسال منهما الدم حين مرورهما بأرض كربلاء موافقة ومواساة لدم الحسين عليه السلام، فشج رأس الأول وجرح رجل الثاني، وقد مارسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعنوان حجامة الرأس وأسماها ”المنقذة“ أي المنقذة من الأمراض، ومارستها زينب (صلوات الله عليها) حين ضربت رأسها بمقدم المحمل، ويُستفاد استحبابها من نصوص شتى وردت عن المعصومين (صلوات الله عليهم) وتُشعر بمطلوبية إسالة الدم مواساة للسبط الشهيد (أرواحنا فداه) كقوله عليه السلام: ”أقرح جفوننا“. فكيف يُزعم بعد هذا أنها خرافة؟! وأما ادعاء أن التطبير موهن للمذهب فادعاء يناقضه الواقع، فها نحن نعيش في الغرب وفي أكثر بقاعه تحضرا ومدنية، ونمارس التطبير كل سنة بحمد الله تعالى، ويشاهدنا الغربيون بلا استهجان بل يبدون انبهارهم وتأثرهم، وقد سبق لنا أن أجبنا على سؤال من هذا النوع وذكرنا بعضا من شهادات علماء الغرب بحق التطبير كممارسة إنسانية تعبيرية حضارية تساعد على تنشيط الضمير والذاكرة، وأكدنا هناك على أن القول بأن التطبير يسبب وهنا للدين أو المذهب بزعمهم ما هو إلا ”كذبة كبرى“ ومن يريد أن يعرف الحقيقة ليس عليه إلا أن يأتي إلى بلدان العالم المتحضر ليشاهد مواكب التطبير بعينه ويقف بنفسه على ردة فعل الغربيين. وأزيدك أنني شخصيا في هذه السنة في يوم العاشر من محرم وبسبب الإجهاد من الليلة الماضية كنت قد سقطت أرضا بعدما طبّرت، فما كان من الأخوة المؤمنين إلا أن حملوني وأنا مضرج بالدماء إلى إحدى سيارات الإسعاف التي توقفها وزارة الصحة البريطانية لخدمة المطبرين، وهناك أشرف على علاجي إثنان من المسعفين البريطانيين بكل لطف ومودة، وقد بان عليهما التأثر الإيجابي وقالا لأحد الأخوة الذي كان واقفا إلى جانبي: ”إنه شيء عظيم هذا الذي تفعلونه ونحن نحترم إيمانكم به“ فما كان من الأخ إلا أن أهداهما نسخة من جريدة ”شيعة نيوز“ التي يصدرها الأخوة من خدام المهدي (عليه السلام) في لندن وقد شكراه على ذلك. فأين ما يدّعيه الكاذبون من أن شعوب العالم المتحضر ينظرون نظرة استهجان للتطبير؟! وإذا كانوا يقصدون الأعراب النواصب المعادين لأهل البيت ولشيعتهم في بلداننا فهل هؤلاء من شعوب العالم المتحضر أصلا حتى يُعتبر برأيهم؟! ثم على فرض أن التطبير يستجلب وهنا حقا فإن ذلك لا مدخلية له في رفع حكمه الاستحبابي، إذ هو لا يرقى للورود فيُحكم بالمنع بالحكم الثانوي، ولا يقول بهذا من ذاق طعم الفقه أو ارتشف منه رشفة.
(6) قلنا أن هناك نصوص تُشعر بالمطلوبية، وأخرى صريحة في أن الفعل قد مورس بعينه من قبل أنبياء الله تعالى بمن فيهم نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله. ثم إنه على فرض عدم الورود فإنه يبقى لنا أصل الإباحة، وينضم إلى هذا الأصل نية المواساة لأهل البيت (عليهم السلام) فيكون التطبير راجحا مستوجبا للثواب ويتأكد استحبابه، شأنه شأن اللطم والإنشاد العزائي مثلا الذي لم يرد فيهما نص خاص أيضا لكنهما مستحبان بالعنوان الذي ذكرناه.
(7) بل التطبير مفيد للنفس والبدن، أما للنفس فيشهد لذلك علماء النفس والسايكلوجي بأنه يمثل حالة استذكار للألم فيدفع النفس إلى التمثّل بالقيم المصاحبة له والاسترشاد بسيرة صاحب الألم وهو القائد والرمز، أي الحسين بن علي عليهما الصلاة والسلام. وأما للبدن فيشهد لذلك الأطباء بأنه نوع من أنواع الحجامة التي تُخرج الدم الفاسد من الدماغ وتنقي خلاياه وتتسبب في تجديد الدورة الدموية ولذلك ثبت طبيا أن الذين يطبّرون يكونون أقل عرضة للإصابة بالسكتة أو الجلطة الدماغية من غيرهم. فمن أين يتخرّص هؤلاء بالقول أن فيه إضرارا؟! ثم إنه على فرض ثبوت أن في التطبير إضرارا فإن مطلق الضرر غير المؤدي للهلاك لا دليل على حرمة التعرّض له ولم يفتِ بذلك أحد لا من المتقدمين ولا من المتأخرين إلا من أمثال هؤلاء المتطفلين على ساحة العلم الذين أصبحوا مادة للتندّر والتفكّه في أروقة الحوزة العلمية!
وفقكم الله تعالى للدفاع عن شعائره وصونها. والسلام.
الأول من شهر صفر الأحزان لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.