السلام و عليكم و رحمة الله و بركاته
ما هي معجزة القران التي لا زالت صالحة الى عصرنا هذا ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
جواب المكتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد حمزة بن عبد المطلب عليهما السلام.
ج1: معجزة القرآن في بلاغته عجز إلى اليوم كل من حاول التشكيك فيها ولم يستطع أن ينال منها قيد أنملة، ولكن فلنقل أنّه لربما بسبب البعد عن عصر الفصاحة والبلاغة العربية القرشية الأصيلة جعل بعض أهل هذا الزمان لا يدرك مدى قوة بلاغة القرآن الاعجازية لشياع اللحن في هذا الزمان وضعف السلائق اللغوية والبلاغية وعدم اعتناء غير العرب بدراسة اللغة العربية. مع هذا فإنّ إعجاز القرآن الكريم غير مقتصر على الجانب البلاغي بل يشمل جانب القضايا العلمية المنسجمة مع ما هو مطروح من حقائق في هذا العصر، بل إنّ العلم الحديث يشهد للقرآن الكريم بالسبق في الاشارة الى جملة من الحقائق التي تم التوصل لها بعد القرآن الكريم بعصور.
الفرنسي موريس بوكاي أجرى بحثا في الكتب السماوية توصل من خلاله إلى كون القرآن لا يتعارض أو يتناقض مع ما جاء به العلم الحديث فيما الكتب الاخرى تتناقض معه في مواطن شتى. وما توصل له بوكاي يتوصل له كل باحث منصف غير معاند متكبر على الحق.
هذا القرآن الكريم الاستشفاء به هو واحدة من معاجزه التي ثبت صدق إخباره بها في قوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الاسراء - آية82
الواقع أثبت شفاء جمع من اقوياء الاعتقاد والإيمان بكتاب الله تعالى من حالات مرضية متعسرة عجز عنها الاطباء بواسطة آيات القرآن الكريم.
إلى غير ذلك من وجوه الاعجاز التي يدركها المرء بالرجوع إلى العترة الطاهرة الشارحة المفسرة للقرآن.
يمكنكم الوقوف على بعض أوجه الإعجاز في القرآن الكريم بمراجعة سلسلة محاضرات سماحته في البحوث القرآنية(هنا).
أفاد الشيخ فيما سبق أنه لا يوجد أفضل من كتاب الله عز وجل على الإطلاق وهو أعجوبة ومعجزه لامثيل لها، انه لا يزداد على كثرة الدرس والترديد والبحث والاطلاع، لا يزداد إلا نضاره ويظل غضا يتجدد على مر الأزمنة لا يُمل منه ولا يترك، وكأنه يجدد نفسه وكأنه يخاطبك بلسان جديد بمعنى جديد في كل آن، مع أنّ اللفظ هو واحد لم يتغير.
إن سبب عدم وجود سياق موحد في القرآن الكريم، هذا وجه من وجوه الإعجاز القرآني، فإن من أصعب الصعوبات نظم الكلام المختلف في موضوعه، المتنوع في سياقه، المتغاير لفظه، المتعدد حرفه، في مقال واحد أو كتاب واحد، فكيف بنظمه في فقرة واحدة، أو عبارة واحدة كما صنع الله تبارك وتعالى في آياته؟!
ثم إن هذا النظم، ما هو بشعر ولا نثر! بل هو جنس غريب استثنائي من صنوف الكلام، لا تجده إلا في القرآن. ومع ما فيه من اختلاف وتغاير وتعدّد وتكرار، تجده أحيانا في آية واحدة مطوّلة، لا سورة واحدة فحسب؛ مع هذا فإنك بعد قراءته ترتسم في ذهنك مفاهيم ومعلومات محدّدة على شكل زخّات متدفقة، فتنتابك الدهشة من وصولها إلى ذهنك بهذه الكيفية غير المتجانسة والمتجانسة في آن واحد! والمسبوكة بسبك بديع واحد! ثم تنتابك دهشة أعظم حينما تقرأها في موضع آخر، فتظن أنها تكرار، فإذا بها تفتح لك أفقا جديدا في الموضوع نفسه من زاوية أخرى، فتكتشف أنك حين قرأت سابقتها لم تكن بالذي يعرف إلا النزر اليسير.
لهذا تجد أن أعظم الأدباء لو صاغ لك قصة ما، ثم جاء أديب آخر وصاغ لك القصة ذاتها بأسلوب آخر مختلف كليا، فإنك بمجرّد ما تقرأ السطور الأولى منها تعزف عنها، إذ ستلاحظ أنها مكرّرة، وأنك تعرف موضوعها، فتملّ من قراءتها، ولو كانت بأسلوب آخر غاية في البلاغة والفصاحة. أما في القرآن؛ فإنك تقرأ قصة نوح أو موسى (عليهما السلام) في أكثر من موضع، وبأساليب مختلفة، لكنك لا تملّ ولا ينتابك الضجر ولا تجد بدا من إتمام القراءة حتى النهاية!
ولو وقع في يدك نثر لأعظم الأدباء، لكنك وجدته مشتملا على عشرات المواضيع غير المترابطة، فإنك ترميه مسترخصا إياه وتشبّهه في نفسك بخليط غير متجانس لا رابطة بين أفراده. أما في القرآن؛ فإنك تجد نفسك أسيرا لآيات تنقلك من موضوع لآخر، ومن مضمون لآخر، ومع ذا فأنت بهذا الأسر ملتذ! وبه مأنوس!
وأنت إذا قرأت أروع مقطوعة شعرية أكثر من عشر مرات؛ فإن نفسك تأنف أن تستمر في قراءتها وترديدها، فتصبح عندك وعند سائر الناس مدروسة لا تُذكر إلا حين ورود ما يستدعي الاستشهاد بها من حوادث العصر. أما القرآن؛ فرغم أن أجيالا وأجيالا، بألوف ألوف الملايين، يقرأونه ليل نهار، ويعيدونه ويردّدونه، ويدرسونه ويتعلمونه، إلا أنه لا يندرس ولا يخبو نجمه ولا يقلّ توهّجه! بل كلّما قُرئ ودُرس تراه يتجدّد! فلا أحد يدّعي أنه قد فرغ منه!
فهذا هو الإعجاز القرآني المبهر العجيب، فسبحان الله الذي أبدعه.
شكرا لحسن تواصلكم.
مكتب الشيخ الحبيب في لندن
15 شوال المكرّم 1435 هجرية