بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الجليل تحية طيبة وعطرة لك من أهلك في الكويت
شيخنا هنالك كثير من الشبه يطرحها الوهابية لعنة الله عليهم ومن هذه الشبه أن يزعمون بأن الزهراء سلام الله عليها قد غضبت على الإمام علي عليه السلام فهم يستشهدون بروايات موجودة في كتبنا على سبيل المثال:
هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال : فتغير لون أبي عبد الله (ع) من ذلك واستوى جالسا ثم قال : إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها : أما علمت علياً قد خطب بنت أبي جهل فقالت : حقاً ما تقول ؟ فقال : حقاً ما أقول ثلاث مرات . فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك تعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهاداً وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الأجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله . قال : فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ، ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء عليّ فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي ، فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ، ثم جمع شيئاً من كثيب المسجد واتكأ عليه ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد ، وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم ، وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها : قومي يا بُنية فقامت ، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي (ع) وهو نائم فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رجله على عليّ فغمزه وقال : قم أبا تراب !! فكم ساكن أزعجته !! ادع لي أبا بكر من داره ، وعمر من مجلسه ، وطلحة ، فخرج عليّ فاستخرجهما من منازلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علـيّ !! أما علمت أن فاطمة بضعة مني أنا منها ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي .
انظر علل الشرائع لابن بابويه القمي ص 185 ، 186 مطبعة النجف ، أيضا أورد الرواية المجلسي في كتابه ( جلاء العيون )
أيضا
يروي القمي والمجلسي عن أبي ذر أنه قال كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة ، فأُهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم ، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي (ع) تخدمه ، فجعلها عليّ في منزل فاطمة ، فدخلت فاطمة عليها السلام يوماً فنظرت إلى رأس عليّ عليه السلام في حجر الجارية ، فقالت : يا أبا الحسن !! فعلتها ؟؟ فقال : والله يا بنت محمد ما فعلت شيئاً ، فما الذي تريدين ؟ قالت : تأذن لي في المسير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لها : قد أذنت لك ، فتجلببت بجلبابها ، وأرادت النبي صلى الله عليه وسلم .
انظر علل الشرائع للقمي ص 163 وأيضاً بحار الأنوار ص 43 ، 44 باب (كيفية معاشرتها مع عليّ )
أيضا
( إن فاطمة رضي الله عنها لما طالبت فدك من أبي بكر امتنع أبو بكر أن يعطيها إيّاها فرجعت فاطمة عليها السلام وقد جرعها من الغيظ ما لم يوصف ومرضت ، وغضبت على عليّ لامتناعه عن مناصرته ومساعدته إيّاها وقالت : يا ابن أبي طالب !! اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم ، والآن غلبت من هؤلاء المخنثين ، فهذا هو ابن أبي قحافة يأخذ مني فدك التي وهبها لي أبي جبراً وظلماً ويخاصمني ويحاججني ، ولا ينصرني أحد فليس لي ناصر ولا معين وليس لي شافع ولا وكيل ، فذهبت غاضبة ورجعت حزينة أذللت نفسي تأتي الذئاب وتذهب ولا تتحرك ، يا ليتني مـتّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً إنما أشكو إلى أبي وأختصم إلى ربي )
انظر كتاب حق اليقين للمجلسي بحث فدك ص 203 ، 204 ، ومثله في كتاب الأمالي للطوسي ص 295
هذا ولكم مني كل الشكر والتقدير وأسأل من الله ان يحفظكم في غربتكم بحق محمد وآل محمد
أخوك أبوفاطمة
باسمه تقدّست أسماؤه. وعليكم السلام والتحية والرحمة والإكرام. هذه النصوص الثلاثة التي زعموا احتجاجهم بها علينا، اثنان منها مبتوران بخبث! والثالث مكذوب وموضوع ولا أصل له عندنا!
وعليك أن تكون خبيرا بديدن الوهابيين النواصب في البتر والتدليس، فهم لا يبرحونهما ليرتقوا – ولو قليلا – إلى النقاش العلمي الاستدلالي المحكم، لأنهم إذا فعلوا بان عجزهم وانكشف وهن عقيدتهم. ومع ذا فنحن مضطرون لأن ننزل إلى منحدَرهم لنلقمهم حجرا علّه يسدّ أفواههم. وإليك البيان:
• النص الأول، كاملا من غير بتر، هو هذا: ”حدثنا علي بن احمد قال: حدثنا أبو العباس احمد بن محمد بن يحيى عن عمرو ابن أبى المقدام وزياد بن عبد الله قالا: أتى رجل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أوغير ذلك مما يضاء به؟ قال فتغير لون أبى عبد الله عليه السلام من ذلك واستوى جالسا ثم قال: انه جاء شقي من الاشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: أما علمت ان عليا قد خطب بنت أبى جهل فقالت: حقا ما تقول؟ فقال: حقا ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة مالاتملك نفسها وذلك ان الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهادا وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الاجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل فحملت الحسن على عاتقها الايمن والحسين على عاتقها الايسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي فاستحى ان يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكى عليه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله ان يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك انه خرج من عندها وهى تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله انها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها قومي يا بنية فقامت فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن وحملت فاطمة الحسين واخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي عليه السلام وهو نايم فوضع النبي صلى الله عليه وآله رجله على رجل علي فغمزه وقال قم يا أبا تراب فكم ساكن ازعجته ادع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي أما علمت ان فاطمة بضعة منى وانا منها فمن آذاها فقد آذانى من آذانى فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى، قال: فقال علي بلى يارسول الله، قال فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي والذي بعثك بالحق نبيا ماكان منى مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي، فقال النبي صدقت وصدقت ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتى رئي ثغرها، فقال أحدهما لصاحبه انه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة قال: ثم أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي فشبك أصابعه باصابعه فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن وحمل الحسين علي وحملت فاطمة أم كلثوم وادخلهم النبي بيتهم ووضع عليهم قطيفة واستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل فلما مرضت فاطمة مرضها الذى ماتت فيه اتياها عايدين واستاذنا عليها فابت ان تأذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهدا أن لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة ويتراضاها فبات ليلة في البقيع ما يظله شئ ثم ان عمر أتى عليا عليه السلام فقال له ان أبا بكر شيخ رقيق القلب وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار فله صحبة وقد اتيناها غير هذه المرة مرارا نريد الاذن عليها وهي تأبى ان تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت ان تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم فدخل علي على فاطمة عليها السلام فقال يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردد مرارا كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن استأذن لهما عليك؟ فقالت والله لا آذن لهما ولا اكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبى فاشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني فقال علي عليه السلام فإنى ضمنت لهما ذلك قالت ان كنت قد ضمنت لهما شيئا فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشئ فاذن لمن أحببت، فخرج علي عليه السلام فاذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة عليها السلام سلما عليها فلم ترد عليهما وحولت وجهها عنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مرارا وقالت يا علي جاف الثوب وقالت لنسوة حولها حولن وجهي فلما حولن وجهها حولا إليها، فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك إبتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا اليك، قالت لا اكلمكما من رأسي كلمة واحدة ابدا حتى القى أبى واشكوكما إليه واشكو صنيعكما وفعالكما وما ارتكبتما مني قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تواخذينا بما كان منا، فالتفتت إلى علي عليه السلام وقالت: إنى لا اكلمهما من رأسي كلمة حتى اسألهما عن شئ سمعاه من رسول الله فان صدقاني رأيت رأيى قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلا حقا ولا نشهد إلا صدقا، فقالت: انشدكما الله أتذكر ان ان رسول الله صلى الله عليه وآله استخرجكا في جوف الليل لشئ كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم فقالت انشدكما بالله هل سمعتما النبي صلى الله عليه وآله يقول: فاطمة بضعة مني وانا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد اذى الله ومن اذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم قالت الحمدالله ثم قالت اللهم إنى اشهدك فاشهدوا يامن حضرني انهما قد أذياني في حياتي وعند موتى والله لا اكلمكما من رأسي كلمة حتى القى ربى فاشكوكما بما صنعتما بى وارتكبتما منى فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب إمرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب إمرأة وقاما وخرجا“. (علل الشرايع للصدوق ج1 ص158).
فالنص كما ترى فيه تتمة تفضح خليفتيهم وشيخيهم أبي بكر وعمر (لعنة الله عليهما) وتثبت أن الحديث النبوي الشريف "فاطمة بضعة مني وانا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.." ينطبق عليهما لا على أميرنا (صلوات الله عليه) فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) نفى عنه افتراء الشقي باعتزامه خطبة بنت أبي جهل، وأعلن صدقه وامتدحه، وقد أحضر الطاغيين (عليهما اللعنة) عمدا في ذلك الموقف ليشهدهما على هذا القول. وإنما جرى ما جرى من خروج فاطمة (صلوات الله عليها) واصطناع الغيرة وما جرّ إلى ذلك من كلام متبادل بين نبينا وأميرنا وسيدتنا (صلوات الله عليهم) فإنما كان لهذا الغرض، أي أن يشهد الطاغيان (عليهما اللعنة) هذا الموقف فلا يستطيعان دفعه وإنكاره عندما تحين فرصة احتجاج الزهراء (صلوات الله عليها) به في مرض استشهادها.
فالنص إذن عليهم، لا لهم! لكنهم بتروا ما يحلوا لهم ظنا أنهم يخدعوننا به! "وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون"!
• النص الثاني، كاملا من غير بتر، هو هذا: " أبى رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن عرفة (بسرمن رأى) قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا محمد بن إسرائيل قال: حدثنا أبو صالح عن ابى ذر رحمه الله عليه قال: كنت أنا وجعفر بن ابى طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة فاهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم فلما قدمنا المدينة اهداها لعلي عليه السلام تخدمه فجعلها علي عليه السلام في منزل فاطمة فدخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية فقالت يا ابا الحسن فعلتها فقال لا والله يا بنت محمد ما فعلت شيئا فما الذي تريدين؟ قالت تأذن لي في المصير إلى منزل ابى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها قد أذنت لك فتجلببت بجلبابها وتبرقعت ببرقعها وأرادت النبي صلى الله عليه وآله فهبط جبرئيل عليه السلام فقال يا محمد ان الله يقرؤك السلام ويقول لك ان هذه فاطمة قد اقبلت اليك تشكو عليا فلا تقبل منها في علي شيئا فدخلت فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله جئت تشكين عليا قالت إي ورب الكعبة، فقال لها ارجعي إليه فقولي له رغم انفي لرضاك، فرجعت إلى علي عليه السلام فقالت له يا ابا الحسن رغم انفي لرضاك تقولها ثلاثا، فقال لها علي عليه السلام شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله واسوأتاه من رسول الله صلى الله عليه وآله اشهد الله يا فاطمة ان الجارية حرة لوجه الله وان الاربعمئة درهم التي فضلت من عطائي صدقة علي فقراء اهل المدينة، ثم تلبس وانتعل واراد النبي صلى الله عليه وآله فهبط جبرئيل فقال يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك قل لعلي قد اعطيتك الجنة بعتقك الجارية في رضا فاطمة والنار بالاربعمئة درهم التي تصدقت بها فادخل الجنة من شئت برحمتي واخرج من النار من شئت بعفوي، فعندها قال علي عليه السلام أنا قسيم الله بين الجنة والنار". (علل الشرايع ج1 ص163).
فالنص كما ترى منقبة لأميرنا (صلوات الله عليه) لا منقصة بحقه! ففضلا عن تبرئة الأمير نفسه مما أظهرت الزهراء (صلوات الله عليها) اعتراضها عليه؛ فقد جاء الوحي من عند الله جل جلاله بتعظيمه (عليه الصلاة والسلام) ومنحه الجنة بأكملها هدية له على حسن صنيعه! فأية منقبة وأية فضيلة أعظم من هذه؟! على أن الاعتراض الذي أبدته الزهراء – على فرض التنزل عن إنكار صدوره منها – لم يكن من قبيل الاعتراض الحقيقي، وإنما الاعتراض الصوري، أي أنها (عليها الصلاة والسلام) أظهرت واصطنعت هذا الاعتراض لتظهر مناقب علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ولتصل إلينا، مضافا إلى أن النبي والوصي والسيدة (صلوات الله عليهم) كانوا – وكذلك سائر الأنبياء والأوصياء – يصطنعون أدوارا معينة في الحياة بغرض التعليم الإشهادي إن جاز التعبير، حتى يقتدي البشر بهم ويتعلمون – كما في المثال – كيف يجب أن تكون أخلاق المرأة تجاه زوجها، وهكذا. وفي هذا الشأن كانت قصص كثير من أنبياء الله تعالى (عليهم الصلاة والسلام) إذ هي قصص تعليمية تربوية قصد أصحابها اصنطاع تلك المواقف والأدوار بأمر الله تعالى ليتعلّم الناس. فلاحظ.
على أن جمعا من العلماء ومنهم الصدوق نفسه، وهو صاحب الرواية في الشرايع، قال في موضع متقدّم من كتابه أنه لا يولي هذا النوع من الأخبار والروايات تصديقا، فقال: "ليس هذا الخبر عندي بمعتمد ولاهو لي بمعتقد في هذه العلة لان عليا عليه السلام وفاطمة عليها السلام ماكان ليقع بينهما كلام يحتاج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاصلاح بينهما لانه عليه السلام سيد الوصيين وهى سيدة نساء العالمين مقتديان بنبي الله صلى الله عليه وآله في حسن الخلق". (علل الشرايع ج1 ص156).
غير أنّا حيث نميل منهجيا إلى الاحتياط في ردّ روايات أهل البيت (عليهم السلام) أشد الاحتياط التزاما بتوجيهاتهم وأوامرهم صلوات الله عليهم، فإنا نعمد إلى حمل المعنى أو توجيهه إلى ما يستقيم مع الاعتبار الديني الذي دلّت عليه النصوص المتضافرة. وإلا يمكن لغيرنا أن يدّعي سقوط الرواية سندا أو متنا استشهادا بتصريح الصدوق رحمه الله. لكنا نتورّع عن ذلك ولا نرى ضرورة له مع وجود المحمل المعتبر.
• النص الثالث، باللفظ الذي أوردوه مكذوب على الأرجح، إذ لم نعثر عليه في أي من كتبنا الروائية ومجامعنا الحديثية! وهم قد جاءوا بمصدرين اثنين، أحدهما (حق اليقين للمجلسي) والثاني (أمالي الطوسي). أما الأول فهو ديوان شعر فارسي ليس فيه نصوص لأن العلامة المجلسي نظمه شعرا مكوّنا من واحد وثلاثين ألف بيت فمن أين جاءوا بهذا النص العربي منه وهو نثر وليس شعرا؟! ليأتوا لنا بصورة طبق الأصل عن المصدر ليفتضح أمر كذبتهم الكبرى هذه!
وأما المصدر الثاني أي أمالي الشيخ الطوسي والذي قالوا أن الرواية بهذا اللفظ واردة فيه، فبرجوع أي ذي عينين إليه يكتشف أن الأمر ليس كذلك! فالرواية في الأمالي مختلفة لفظا ومعنى عن الرواية التي أوردوها، وليست فيها عبارة: "وغضبت على علي لامتناعه عن مناصرته ومساعدته إياها"!
والرواية في الأمالي هي هكذا: "عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: لما انصرفت فاطمة (عليها السلام) من عند أبي بكر، أقبلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالت: يابن أبي طالب، اشتملت مشيمة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الاجدل، فخانك ريش الاعزل، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزني نحيلة أبي وبليغة ابني، والله لقد أجد في ظلامتي، وألد في خصامي، حتى منعتني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع ولا دافع، خرجت والله كاظمة، وعدت راغمة، فليتني ولا خيار لي مت قبل ذلتي، وتوفيت قبل منيتي، عذيري فيك الله حاميا، ومنك عاديا، ويلاه في كل شارق، ويلاه مات المعتمد ووهن العضد، شكواي إلى ربي، وعدواي إلى أبي، اللهم أنت أشد قوة. فأجابها أمير المؤمنين (عليه السلام): لا ويل لك، بل الويل لشانئك، نهنهي من غربك يا بنت الصفوة، وبقية النبوة، فوالله ما ونيت في ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت ترزئين البلغة فرزقك مضمون، ولعيلتك مأمون، وما أعد لك خير مما قطع عنك، فاحتسبي . فقالت: حسبي الله ونعم الوكيل". (الأمالي ص683).
فهاهنا ترى عدم اشتمال النص على ذلك المقطع المزعوم المصرّح فيه أن فاطمة غضبت على علي (صلوات الله عليهما)، وأقصى ما يمكن أن يُتوهم منه أنها تعاتبه، وليس الأمر على وجه الحقيقة في هذا أيضا، فهو من قبيل "إياك أعني واسمعي يا جارة" الذي هو أسلوب بلاغي أدبي معهود في اللغة العربية عندما يريد المرء تعظيم أمر ما خطير قد وقع، فيتوجّه بالخطاب إلى جهة وهو يقصد غيرها. وقد استخدم الله تعالى هذا الأسلوب في قرآنه الحكيم إذ قال عز من قائل: "عفا الله عنك لمَ أذنت لهم حتى يتبيّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين". (التوبة: 43). وللوهلة الأولى يتوهّم المرء أن هذا الخطاب من الله تعالى لنبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو نوع معاتبة، والحال أنه ليس كذلك، وإنما هو عتاب للذين تخلّفوا عن معركة تبوك، لكنه جاء على هذا النحو ليفهم المخلّفون فظاعة ما أجرموه بتخلّفهم. ولهذا الأسلوب البلاغي شواهد عديدة في كلام العرب. فراجع. وإنما استخدمته الزهراء (صلوات الله عليها) ليبقى موضوعه حيا في ذاكرة الزمان، كما حصل بحمد الله تعالى.
تنبغي الإشارة هنا إلى أن هذا النص الذي نقلوه عن حق اليقين للعلامة المجلسي (رضوان الله عليه) قد يكون ترجمة منهم لبعض أبياته الفارسية إلى العربية، وإذا كان كذلك فليكتموا فضيحتهم فذلك أجدى لهم، فليس ينفعهم الاعتذار بشيء حتى لو قالوا إنما نقلنا المعنى لا اللفظ! لأن الأطفال يعلمون أن الشعراء يجوز لهم في أبياتهم ما لا يجوز لغيرهم حسب مقتضيات موضوع الشعر، ولذا قيل أن أفضل الشعر أكذبه، وهذا أمر معروف، ولا حجة للشعر في الاستدلال إلا إذا كان موافقا للنص، ولا نص كما نقلوا!
وإني – والله يشهد – كلما وصلتني شبهة جديدة من شبهاتهم المضحكة هذه، ازداد يقيني بأنهم يعيشون حالة ضمور عقيدتهم الفاسدة التي هي أوهن من بيت العنكبوت، فلذا هم يعمدون للتشبّث بكل قشّة وإثارة أية شبهة علّهم يبقون على ما تبقى من عقيدتهم الشيطانية في أذهان شبابهم الصاعد الذين بدأوا في زماننا هذا بالتحرك جديا نحو نور الحق، إذ لم تعد تنطلي عليهم الأكاذيب والتدليسات والافتراءات، ولم يعد يجدي معهم اللف والدوران.. واليقين عندي أن عقيدتهم البائسة هذه ستندثر من الوجود حتما خلال سنوات ليست بالكثيرة إن شاء الله تعالى.
وفقكم الله لما يحب ويرضى. والسلام.
التاسع من رجب المرجب لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.