بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و الصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة مباركة إلى سماحة العلامة الشيخ ياسر الحبيب حفظه الله وبعد
كثيرا ما يتهم الوهابية شيعة أهل البيت عليهم السلام بأنهم يقولون بوقوع التحريف في القرآن الكريم , فهل هذا الكلام له أصل عند علمائنا , مع العلم أنهم يذكرون أقوالا لبعض العلماء كالسيد نعمة الله الجزائري وغيره من العلماء , فما حقيقة هذه المسألة ؟
وهل يوجد من علماء { ما يسمى } أهل السنة والجماعة من قال بوقوع التحريف , أو هل توجد روايات في كتبهم تشير إلى ذلك , وماذا عن كتاب فصل الخطاب الذي يدندن الوهابية حوله كثيرا ؟
وما هو الحال بالنسبة لمصحف فاطمة { عليها السلام } أرجو أن تعطونا لمحة حول هذا وبماذا تنصحون من يثير هذه القضية ..قضية تحريف القرآن ..فأنا أرى بأن هذا لا يصب في مصلحة الإسلام ..
مع خالص تحياتي
باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. نعم ثمة كلام لبعض علمائنا في مسألة التحريف، نقضا وإبراما، لكن ليس هو إلا من قبيل الرأي الشاذ في مقابل المشهور بنفي التحريف.
وأما بالنسبة لكتاب الميرزا النوري (رحمه الله) فقد ألّف تلميذه الشهير الآقا بزرك الطهراني – صاحب الذريعة – كتابا دافع فيه عن شيخه النوري وقال ما معناه أن الناس فهمت كتابه "فصل الخطاب في تحريف الكتاب" على نحو خاطئ، مثبتا فيه سلامة القرآن الحكيم، وذلك تحت عنوان: "النقد اللطيف في نفي التحريف عن القرآن الشريف". فراجع.
وأما عن طريق المخالفين فنعم، لديهم روايات في أعلى مراتب الصحة رواها البخاري ومسلم تثبت وقوع التحريف في كتاب الله تعالى، ومنها ما هو عن عمر بن الخطاب (لعنة الله عليه) أنه خطب على المنبر قائلا: "إن الله بعث محمداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله (آية الرجم) فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف. ثم إنا كنا نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم"! (صحيح البخاري - كتاب الحدود: ج8 ص 28).
وكذا رووا عن عائشة (لعنة الله عليها) أنها قالت: "كان في ما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات فتوفي رسول الله وهن في ما يقرأ من القرآن"! (صحيح مسلم - كتاب الرضاع: ج 4 ص 167).
ورووا أيضا عن أبي موسى الأشعري (لعنة الله عليه) أنه قال: "وعن أبي موسى الأشعري أنه قال: (إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بالطول والشدة ببراءة فأنسيتها، غير أني حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة"! (صحيح مسلم - باب لو أن لابن آدم واديان: ج 3 ص 100).
ومن أطرف ما رووه أن دجاجة عائشة (لعنة الله عليها) قد أكلت بعض آيات القرآن تحت سريرها فأذهبتها! إذ جاء عنها أنها قالت: "لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، و لقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله و تشاغلنا بموته، دخل داجن فأكله"! (مسند أحمد ج6 ص 269). وغيرها من روايات مضحكة كثير.
وأما عن علمائهم الذين قالوا بالتحريف فمنهم من حكى لنا عنه أحد علمائهم المعاصرين الأزهريين وهو (محمد المديني) حيث قال: "قد ألف أحد المصريين سنة 1498م كتاباً اسمه (الفرقان) حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلاً لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بين بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه. فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً! فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها. أفيقال أن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟!" (صرح بذا في العدد الرابع من مجلة رسالة الإسلام ص 382).
وأما عن مصحف فاطمة (صلوات الله عليها) فقد شُرح هذا مرارا وتكرارا حتى لم يعد ثمة مزيد قول، وحاصله أنه مصحف بمعنى كتاب، وردت فيه تعاليم خاصة بالزهراء وأهل البيت (صلوات الله عليهم) أوصلها إليهم جبرئيل (عليه السلام) عن الله جل جلاله، وليس هو بمثابة القرآن الكريم، بل هو من مختصات أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وهناك مصاحف – أي كتب – أخرى كمصحف علي، والجامعة، وغيرهما، كلها لدى أهل البيت المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) وفيها ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة. وهذا مما لا ينافي الاعتقاد السليم لأن الله تعالى ذكر في القرآن أنه أوحى إلى أم موسى (عليه وعليها السلام) مع أنها لم تكن نبية، فالوحي من الله ليس شرطا أن يكون مستلزما للنبوة، بل يمكن أن يوحي الله تعالى حتى إلى الحيوانات كالنحل، كما ذكره في كتابه جل جلاله "وأوحى ربك إلى النحل" (النحل: 68)، فالوحي هنا بمعنى التعليم، وهكذا علّم الله تعالى الزهراء بتعاليم خاصة. هذا وعندنا أن الزهراء (بأبي هي وأمي) أرفع مقاما من الأنبياء ما خلا أباها سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأما نصيحتنا لمن يثير هذه القضية، فإن كان ممن يقصد إثارة الجو العلمي، فمرحبا به ولسنا نجد ضيرا في إثارته، وأما إن كان ممن يقصد إثارة الجو التحريضي التأليبي بالباطل، فلا خير فيه وحسابه على الله تعالى.
بوركتكم ونسأل الله لنا ولكم العافية. والسلام. الحادي عشر من شهر رجب لسنة 1426 من الهجرة النبوية الشريفة.