السلام على شيخنا الحبيب ورحمة الله وبركاته
سؤال لسماحتكم ، بحثنا هنا في موقع القطرة عن اسم "المحسّن" الشهيد صلوات الله وسلامه عليه ، ووجدنا بحث غير مفصل لسماحتكم قد تطرقتم لهذا الموضوع أثناء جمع التبرعات لمسجد المحسّن ، ووعدتم الجمهور على أن تُفصّلوا أكثر وتعرضوا روايات أكثر في هذا الشأن ، ولذا نحن اليوم نسأل ، فهذا الاسم المقدّس أصبح وسام لكلِّ مَن يفتخر بمنهج أهل العالم الأول ، شيخنا نحتاج أكبر عدد من الروايات "أو كلّها إن استطعتم" التي تدعم النطق الصحيح للاسم المقدّس؟ ولماذا الحسن والحسين من "إحسان" وتفرّد المحسّن بـ "التحسين"؟ وما هو ردكم على المحقّقين الذين يخطّؤون هذا النطق بحجة أنَ اسم المحسّن "بالشدة" لم يرد في كتب الشيعة بل ورد في كتب المخالفين؟ فنحن نحتاج إلى تفنيد كامل لهذا الموضوع الذي يجهله الكثير، ويكون مدعوم بالأدلّة والبراهين المُقنعة، والبحث المفصّل الدقيق جدًا، كما عهدنا ذلك من سماحتكم منذ سنوات.
ونسألكم الدعاء، خادمكم : عبد آل مُحَمَّد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ،
حيثما جُلتَ في مصادر اللغة والتراجم والسيرة فإنك لا تجد إلا ضبط الاسم الشريف بالمحَسِّنِ؛ بتشديد السين المكسورة؛ وأنه على وزن محدِّث. ولم يضبطه بتسكين الحاء وكسر السين إلا مَن لا عبرة به من المتأخرين؛ بلا سند من خبير.
فراجع مادة شبر من لسان العرب لابن منظور إذ تجد: «قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ شَبَّرَ وَشَبِيرًا فِي اسْمِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. قَالَ: وَوَجَدْتُ ابْنَ خَالَوَيْهِ قَدْ ذَكَرَ شَرْحَهُمَا؛ فَقَالَ: شَبَّرُ وَشَبِيرٌ وَمُشَبِّرٌ هُمْ أَوْلَادُ هَارُونَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ وَمُحَسِّنٌ. قَالَ: وَبِهَا سَمَّى عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْلَادَهُ شَبَّرَ وَشَبِيرًا وَمُشَبِّرًا يَعْنِي حَسَنًا وَحُسَيْنًا وَمُحَسِّنًا، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ».
وفي القاموس المحيط للفيروزابادي: «وشَبَّرُ؛ كبَقَّمٍ، وشَبِّيرٌ؛ كقَمِّيرٍ، ومُشَبِّرٌ؛ كمُحَدِّثٍ: أبْناءُ هارونَ عَلَيْهِ السَّلامُ، قِيلَ: وبِأَسْمائِهِمْ سَمَّىٰ النَبِيُّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحَسَنَ والحُسَيْنَ والمُحَسِّنَ». وقد نقل ذلك عنه الزبيدي في تاج العروس بإضافة توكيدية إذ قال: «الحَسَنَ والحُسَيْنَ والمُحَسِّن؛ الأَخِير بالتَّشْدِيد، كَذَا جاءَ فِي بَعْضِ [أَصْلِ] الرِّوَايَات» ثم نقل ما نقله ابن بري عن ابن خالويه.
وعلى هذا الضبط نص العصامي المكي في سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي (ج1 ص530) إذ قال: «تَزَوَّجَ عَليٌّ فَاطِمَة رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا فَولدت لَهُ حَسَنًا وَحُسَيْنا ومُحَسِّناً؛ بميمٍ مَضْمُومَةٍ فَحاءٍ مُهْملَةِ فَسينٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ».
وفي الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (برقم 8308) قال: «المُحَسِّنُ؛ بِتَشْديدِ السِّينِ المُهْمَلَةِ، ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ الهاشِمِيِّ، سِبْطِ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ».
وفي إتحاف أهل الإسلام بما يتعلق بالمصطفى وأهل بيته الكرام لمحمد بن علي الصبان على ما في إحقاق الحق وإزهاق الباطل للشهيد الثالث التستري (ج25 ص588): «وَالمُحَسِّنُ؛ بِضَمِّ الميمِ وَفَتْحِ الحَاءِ وَتَشْديدِ السِّينِ مَكْسورَةً».
وهذا التباني مورث للاطمئنان بأن الضبط الصحيح إنما هو (المحَسِّن) لا (المُحْسِن) ولا سيما على المشهور من حجية قول اللغوي. ولم يزل دأب علمائنا المحققين على الرجوع إلى المعاجم والتراجم والسِّيَرِ في أمثال هذه الموارد بما أن أصحابها من أهل الخبرة.
وبعد هذا فلا يُصغى إلى المناقشات الذوقية أو الاستحسانية، على أنها على ما ترى من الضعف والركاكة، فإن اسميْ (الحسن والحسين) ليسا من الإحسان بل من الحُسْن الذي هو الجمال وضد القبح، وبهذا يكون المتناغم معهما اسم (المحَسِّن) لا (المحْسِن)، فهذا الأخير في نفرةٍ عن معناهما بخلاف الأول الذي يعني أنه من كمال حُسْنِه يُحَسِّنُ غيرَه ويُزيِّنُ ما انضمَّ إليه. أما ما ورد في بعض الروايات من اشتقاق اسميْ (الحسن والحسين) عليهما السلام من إحسان الله تعالى؛ فهو مبني على الاشتقاق الكبير.
وكذا في الضعف والركاكة القول بأن ضبط اسم السبط الثالث عليه السلام بتشديد السين وكسرها لم يرد إلا عن المخالفين، إذ غفل أصحاب هذا القول عن أن ابن خالويه - الذي نقل عنه ابن بري وعنه ابن منظور والزبيدي - إنما هو لغوي شيعي من أصحابنا الإمامية، وقد نقل هؤلاء من كتبه إذ هو من كبار أهل اللغة. قال النجاشي رحمه الله في رجاله (برقم 161): الحُسَيْنُ بْنُ خَالَوَيْهِ، أَبو عَبْدِ اللهِ النَّحْوِيِّ، سَكَنَ حَلَبَ وَمَاتَ بِها، وَكانَ عارِفًا بِمَذْهَبِنا مَعَ عِلْمِهِ بِعُلومِ العَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَالشِّعْرِ».
وإن الذي يدعو بعضًا من الناس إلى المناقشة في هذا ليس هو العلم والتحقيق صدقًا؛ إذ لو كان هذا هو الداعي لنزلوا على الأدلة والنقول التي ليس يقابلها ما يعارضها مطلقا، لا عندنا ولا عند مخالفينا. وإنما الداعي هو الأُنس بما أَلِفَتْهُ أسماعهم وجرت عليه ألسنتهم وإن تبيَّن بطلانه. والناس على جبلة المألوف. إنما يتحرَّر من إساره أحرار الفكر، وهم قليل.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
12 شهر رمضان 1440 هجرية