السلام عليكم و رحمة الله و براكته
عظم الله لكم الأجر في ذكرى استشهاد الإمام الحسن عليه السلام
ما رأي سماحة الشيخ الحبيب في نقل تاريخي ذكره صاحب كتاب تذكره الخواص و أيضا ناسخ التواريخ حول تقوير رأس الشريف (الإمام الحسين) عليه السلام حل هاذه الخبر صحيح و هل ورد في كتب الاماميه و ان لم يكن صحيح ما تعليق سماحتكم على هاذه القول
دمتم في أكنافهم الحجة بن الحسن العسكري روحي له الفدا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمراجعة الشيخ أفاد أن هذه الجناية الفجيعة لم يقتصر ورودها على تذكرة الخواص وناسخ التواريخ، فلقد ذكرها أيضا القرطبي في (التذكرة ص1121) وهذا لفظه: «وأمر عبيد الله بن زيادٍ مَن قوَّر رأس الحسين حتى يُنْصَبَ في الرمح، فتحاماه أكثر الناس، فقام طارق بن المبارك، فأجابه إلى ذلك وفعله، ونادى في الناس، وجمعهم في المسجد الجامع، وصَعِدَ المنبر، وخطب خطبة لا يحل ذكرها».
وبمثله جاء عند ابن الوزير في (العواصم والقواصم ج8 ص47).
وذكرها أيضا اليافعي في (مرآة الجنان ج1 ص109) وهذا لفظه: «ولمّا قُتل الحسين وأصحابُه؛ سيقت حريمهم كما تُساق الأسارى، قاتل الله فاعل ذلك، وفيهن جمع من بنات الحسين وبنات علي رضي الله عنهما وعن الجميع، ومعهن زين العابدين مريضا. روي أنه لما قُتل السادة الأخيار، مال الفجرة الأشرار إلى خيام الحريم المصونة، وهتكوا الأستار، فقال بعض من حضر: ويلكم! إن لم تكونوا أتقياء في دينكم فكونوا أحرارا في دنياكم! وذكروا مع ذلك ما يعظم من الزندقة والفجور؛ وهو أن عبيد الله بن زياد أمر أن يُقَوَّرَ الرأس المشرَّفُ المكرَّمُ حتى يُنصب في الرمح، فتحامى الناس عن ذلك، فقام من بين الناس رجلٌ يقال له طارق بن المبارك، بل هو ابن المشوم المذموم، فقوَّره ونصبه بباب المسجد الجامع، وخطب خطبة لا يحل ذكرها».
وذكرها أيضا الطيب بامخرمة الحضرمي الشافعي في (قلادة النحر ج1 ص394) وهذا لفظه: «ودُخل بعلي بن الحسين والحُرُمِ أسارى إلى ابن زياد بالكوفة، فأمر ابن زياد أن تُقَوَّرُ الرؤوس حتى تُنْصَب في الرمح، فتحامى الناس ذلك، فقام طارق بن المبارك - بل هو المشؤوم - فقوَّرَهُ ونصبه بباب الجامع، وخطب خطبة لا يحل ذكرها».
وبلغ من شهرة الحادثة أنها ظلَّت تتردَّد بين الناس لقرون، حتى لقد عُيِّرَ أحفاد ذلك الوغد الأموي طارق بن المبارك لعنه الله بما فعله جدهم، كما عُيِّرَ أبو يعلى؛ وهو كاتب الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان في زمان الموفق العباسي، إذ هجاه الشاعر العدوي بقوله:
نعمةُ الله لا تُعاب ولكنْ
رُبَّما استُقْبِحَتْ على أقوامِ
لا يليقُ الغِنى بوجه أبي يَعْـ
ـلى ولا نورُ بَهْجَةِ الإِسلامِ
وَسِخُ الثَّوبِ والقَلانسِ والبِرْ
ذَونِ والوَجْهِ والقَفَا والغُلامِ
لا تمسُّوا أقلامَه فتمسُّوا
من دماء الحُسين في الأَقلامِ
يقول سبط ابن الجوزي: «ومعناه أنهم لما أتوا برأس الحسين عليه السلام إلى ابن زياد؛ طلب من يقوِّره، فلم يتجاسر عليه أحد، فقام طارق بن المبارك فقوَّره على ما أراد ابنُ زياد، وأبو يعلى من ولد طارق» (مرآة الزمان في تواريخ الأعيان لسبط ابن الجوزي ج16 ص15).
وكذلك قال الخوارزمي في (مقتل الحسين عليه السلام ج2 ص58): «ولمّا جيء برأس الحسين إلى عبيد الله، طلب من يُقَوِّرُه و يصلحه، فلم يجسر أحدٌ على ذلك، و لم يحر أحد جوابا، فقام طارق بن المبارك فأجابه إلى ذلك، وقام به فأصلحه وقَوَّرَه، فنصبه بباب داره، ولطارق هذا حفيد كاتب يكنّى: أبا يعلى، هجاه العدوي فعرض له بذلك وقال [الأبيات وفي آخرها:]
لا تمسّوا دواتَه فتصيبوا
من دماء الحسين في الأقلامِ».
وكذلك قال شهاب الدين النويري في (نهاية الأرب ج20 ص476): «إنه لمّا قُتل الحسين رضى الله عنه، وحُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد بالكوفة كما تقدم؛ وقصد حمله إلى دمشق، طلب من يقوِّره فلم يجبه إلا طارق بن المبارك مولى بنى أمية، وكان حجّامًا، ففعل، وقد هُجِي أبو يعلى الكاتب، وهو أحد أسباط طارق هذا، فقيل فيه:
شقَّ رأس الحسين جدُّ أبي يعـ
ـلى وساط الدِّماغ بالإبهامِ».
ثم إن سبط الجوزي قد ذكر عمَّن أخذ خبر هذه الفاجعة، فقال في (تذكرة الخواص ص270): «وذكر عبد اللّه بن عمرو الورَّاق في كتاب المقتل أنه لما حضر الرأس بين يدي ابن زياد، أمر حجَّامًا فقال: قَوِّرْهُ. فقوَّرَهُ، وأخرج لغاديده ونخاعه وما حوله من اللحم. فقام عمرو بن حريث المخزومي، فقال لابن زياد: قد بلغتَ حاجتك من هذا الرأس، فهب لي ما ألقيتَ منه. فقال: ما تصنع به؟ فقال: أواريه. فقال: خذه. فجمعه في مطرف خَزٍّ كان عليه، وحمله إلى داره، فغسَّله وطيَّبه وكفَّنه، ودفنه عنده في داره، وهي بالكوفة تعرف بدار الخز، دار عمرو بن حريث المخزومي».
والورَّاق هذا هو ابن بشر الأنصاري البلخي المتوفى سنة أربع وسبعين ومئتين، ولقد وثَّقه الخطيب البغدادي بقوله: «ثقة صاحب أخبار وآداب وملح».
وهذا القدر من تعدد النقول والناقلين يكفي للاطمئنان بصدق وقوع هذه الجناية الفظيعة، حتى وإن لم نجدها مروية بعينها في أخبارنا، إذ كثيرٌ مما وقع على سيد الشهداء أرواحنا فداه لم يرد من طرقنا كما هو معلوم. بل وروده لدى المخالف أدعى لقبوله.
وفقكم الله لمراضيه.
مكتب الشيخ الحبيب في أرض فدك الصغرى
23 ربيع الآخر 1444 هجرية