بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الشيح الفاضل ياسر الحبيب حفظكم الباري عز وجل
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أنا مستبصر تونسي جديد واحتاج من سماحتكم النصيحة و الارشاد حول عدة مسائل
هل جميع المخالفين هم أولاد زنا ؟ وما الدليل على ذلك ؟ و ماحكم من استبصر منهم ؟
اسمه جل ثناؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
طوبى لكم وهنيئا لكم ركوب سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى كما قال نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
شرعا لا، وأما واقعا وموضوعا نعم، وبعبارة أخرى إن المخالفين في هذه الدنيا يُحكم بصحة أنكحتهم، أما في عصر الظهور وفي الآخرة فسيتبيّن بطلانها فيكون أبناؤهم إثر ذلك أبناء زنا وأرقّاء.
والدليل على ذلك ما رواه الكليني (عليه الرحمة) بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال أبو حمزة: ”قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم. فقال لي: الكفّ عنهم أجمل. ثم قال: والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا. قلت: كيف لي بالمخرج من هذا؟ فقال لي: يا أبا حمزة، كتاب الله المنزل يدلّ عليه. إن الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء، ثم قال عز وجل: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة ما من أرض تُفتح ولا خمس يخمّس فيُضرب على شيء منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا، ولو قد ظهر الحق لقد بيع الرجل الكريمةُ عليه نفسه فيمن لا يزيد حتى أن الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل إلى شيء من ذلك، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقنا ذلك بلا عذر ولا حق ولا حجة“. (الكافي ج8 ص285).
ومعنى الحديث أن أبا حمزة الثمالي (رضوان الله تعالى عليه) أبلغ إمامنا الباقر (عليه السلام) بأن بعض الشيعة يقذفون المخالفين بالزنا حين يشتدون معهم في الجدال أو يتواجهون معهم في الميادين، فقال عليه السلام: الكفّ عنهم أجمل، أي أن ترك ذلك أفضل أخلاقيا. ثم استدرك لبيان الواقع وقال مقسما بالله سبحانه أن جميع الناس أولاد بغايا ما عدا الشيعة، فقال أبو حمزة: كيف لي بالمخرج من هذا؟ أي كيف أستدل على هذا أمام من ينكره من المخالفين؟ فبيّن (عليه السلام) الدليل وهو أن الله تبارك وتعالى قد جعل لأهل البيت (عليهم السلام) حقا في أموال الفيء والغنائم، وكان المخالفون لا يؤدّون هذا الحق، فيغزون ويحاربون بغير إذن الإمام وبذا يكون ما غنموه من أموال وما فتحوه من أراضي وما حصلوا عليه بغير حرب كلّ ذلك من حق الإمام خاصة، وعلى التنزّل عن ذلك فإن للإمام الحق في خمس الغنائم، وحيث أن المخالفين ما كانوا يؤدّون هذا الحق فإن هذه الأموال التي كانوا يحصلون عليها كانت حراماً عليهم، فيشترون بها الدور ويتاجرون بها ويورّثونها لأبنائهم وينكحون بها بغير إذن صاحبها الشرعي وهو الإمام المعصوم عليه السلام، فيكون كل ما يترتّب عليها باطلا في الواقع، وبذا تكون هذه الأنكحة باطلة ويعتبر أبناؤها من أولاد البغايا. وعندما يظهر الحق أي الإمام الخلف الحجة (صلوات الله عليه) فإنه سيتملّك المتولّدين من هذه الأنكحة الباطلة ويبيعهم لأنهم بالأصل من ماله، ويحاول بعضهم من الذين يرى نفسه كريمة عليه أن يفتديها بكل ما يملكه من مال حتى يعود إلى الحرية ويتخلص من العبودية إلا أن ذلك لا ينفعه، إلا الذين تشيّعوا فإن أهل البيت (عليهم السلام) قد حرّموا تلك الأموال على جميع الناس إلا شيعتهم كما قال عليه السلام: ”فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا“، وبذلك يصبح هؤلاء شرعا وواقعا أبناء أنكحة صحيحة ليس فيها شائبة شرعية. ولهذا ورد في بعض النصوص أن الأئمة (عليهم السلام) قد أباحوا الخمس لشيعتهم في زمن الغيبة، وهو خمس غنائم الحرب، وكذا الأنفال والخراج على قول، وذلك حتى تطيب وتطهر ولادتهم ولا يعتبرون من أولاد الزنا والعياذ بالله. وذلك هو ما ورد في التوقيع الشريف الصادر عن مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه: ”وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجُعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب به ولادتهم“. (كمال الدين للصدوق عليه الرحمة ص485).
وبهذا يتبيّن لك أن الذي استبصر من المخالفين يغدو طيبا طاهرا بولايته للأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. وهذه نصيحتنا لجميع المخالفين أن يتداركوا أنفسهم قبل فوات الأوان. هداهم الله وإيانا إلى الحق.
زادكم الله من فضله وإحسانه وكرمه. والسلام.
11 شوال لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.