ما هي قصة سيدنا إدريس النبي عليه الصلاة والسلام؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيح الفاضل ياسر الحبيب حفظكم الباري عز وجل

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

فيم يتمثل ملخص قصة سيدنا إدريس ع ؟


باسمه جل ثناؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

هي قصة عجيبة مطوّلة فيها كثير من العبر رُويت عن سيدنا ومولانا الإمام الباقر عليه السلام، قال: ” كان بدو نبوة إدريس عليه السلام أنه كان في زمانه ملك جبار، وأنه ركب ذات يوم في بعض نزهه فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة فأعجبته فسأل وزرائه لمن هذه الأرض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي، فدعا به فقال له: أمتعني بأرضك هذه، فقال له: عيالي أحوج إليها منك، قال: فسمني بها أثمن لك قال: لا أمتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها، فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكر في أمره، وكانت له امرأة من الأزارقة وكان بها معجبا يشاورها في الأمر إذا نزل به، فلما استقر في مجلسه بعث إليها يشاورها في أمر صاحب الأرض، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: أيها الملك ما الذي دهاك حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك؟ فأخبرها بخبر الأرض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت: أيها الملك إنما يغتم ويهتم ويأسف من لا يقدر على التغيير والانتقام، فإن كنت تكره أن تقتله بغير حجة فأنا أكفيك أمره وأصير أرضه إليك بحجة، لك فيها العذر عند أهل مملكتك، قال: وما هي؟ قالت: أبعث إليه أقواما من أصحابي أزارقة حتى يأتوك به، فيشهدون عليه عندك أنه قد برأ من دينك، فيجوز لك قتله وأخذ أرضه. قال: فافعلي.

قال: وكان لها أصحاب من الأزارقة على دينها يرون قتل الرافضة من المؤمنين، فبعث إلى قوم من الأزارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضي عند الملك أنه قد برأ من دين الملك فشهدوا عليه أنه قد برئ من دين الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك، فأوحى إلى إدريس: أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك، فاحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لانتقمن له منك في الآجل، ولأسلبنك ملكك في العاجل، ولأخرِّبَن مدينتك ولأذلن عزك، ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقد غرك يا مبتلى حلمي عنك؟ فأتاه إدريس (عليه السلام) برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيها الجبار إني رسول الله إليك وهو يقول لك: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن حتى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم؟ أما وعزتي لأنتقمن له منك في الآجل، ولأسلبنك ملكك في العاجل ولأخرَّبَن مدينتك ولأذلن عزك ولأطعمن الكلاب لحم امرأتك، فقال الجبار: اخرج عنى يا إدريس فلن تسبقني بنفسك ثم ارسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس فقالت: لا يهولنك رسالة إله إدريس أنا أكفيك أمر إدريس، أنا أرسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وكلما جاء به، قال: فافعلي قال: وكان لإدريس أصحاب من الروافض مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم إدريس بما كان من وحي الله عز وجل إليه ورسالته إلى الجبار وما كان من تبليغه رسالة الله عز وجل إلى الجبار، فأشفقوا على إدريس وأصحابه وخافوا عليه القتل وبعثت امرأة الجبار إليه أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوه. فأتوه في مجلسه الذي كان يجتمع إليه فيه أصحابه فلم يجدوه، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه فلقوه فقالوا له: خذ حذرك يا إدريس فإن الجبار قاتلك، قد بعث اليوم أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية.

فتنحى إدريس عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه، فلما كان في السحر ناجى إدريس ربه فقال: يا رب بعثتني إلى جبار فبلغت رسالتك وقد توعدني هذا الجبار بالقتل بل هو قاتلي إن ظفر بي؟ فأوحى الله عز وجل اليه: أن تنح عنه واخرج من قريته، وخلني وإياه فو عزتي لأنفذن فيه أمري، ولأصدقن قولك فيه، وما أرسلتك به إليه، فقال إدريس: يا رب إن لي حاجة، قال الله عز وجل: سل تعطها.

قال: اسألك أن لا تمطر السماء على هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتى اسألك ذلك، قال الله عز وجل: يا إدريس إذن تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون! قال إدريس: وغن خربت وجهدوا وجاعوا، قال الله عز وجل: قد أعطيتك ما سألت ولن أمطر السماء عليهم حتى تسألني ذلك، وأنا أحق من وفى بوعده.

فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم وبما أوحى الله إليه ووعده أن لا يمطر السماء على قريتهم حتى يسأله ذلك فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فخرجوا منها وعدتهم يومئذ عشرون رجلا، فتفرقوا في القرى وشاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربه، وتنحى إدريس إلى كهف من الجبل شاهق فلجأ إليه ووكل الله عز وجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء، وسلب الله عز وجل عند ذلك ملك الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن، فظهر في المدينة جبار آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج ادريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الأطعمة من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض، فقالوا: إن الذي نزل بنا مما ترون لسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، وقد تنحى إدريس عنا ولا علم لنا بموضعه والله أرحم بنا منه، فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا إليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع إليه فأوحى الله عز وجل إلى إدريس: يا إدريس إن أهل قريتك قد عجوا إلى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة وأعفو عن السيئة وقد رحمتهم ولم يمنعني من إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألني، فاسألنى يا إدريس حتى أغيثهم وأمطر السماء عليهم. قال إدريس: اللهم إني لا اسئلك ذلك. قال الله عز وجل: ألم تسألني يا إدريس فأجبتك إلى ما سألت، وأنا اسألك أن تسألني فلم لا تجيب مسألتي؟ قال إدريس: اللهم لا أسألك، قال: فأوحى الله عز وجل إلى الملك الذى أمره أن يأتي إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به، فلما أمسى إدريس في ليلة يومه ذلك فلم يؤت بطعامه حزن وجاع، فصبر فلما كان في ليلة اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره، فنادى ربه: يا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي؟ فأوحى الله عز وجل إليه: يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولياليها، ولم تجزع وتذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة، ثم سألتك عند جهدهم ورحمتي إياهم أن تسألنس فأمطر عليهم فلم تسألنس وبخلت عليهم بمسألتك إياي! فأدبتك بالجوع، فقلَّ عند ذلك وظهر جزعك فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى جبلتك.

فهبط غدريس (عليه السلام) من موضعه إلى قرية يطلب أكله من جوع، فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه، فهجم على عجوز كبيرة وهي ترفق قرصتين لها على مقلاة فقال لها: أيتها المرأة أطعمينى فإني مجهود من الجوع، فقالت له: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا ـ وحلفت أنها ما تملك غيره شيئا ـ فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعميني ما أمسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب، قالت: إنهما قرصتان واحدة لي والأخرى لابني فإن أطعمتك قوتي مت، وإن أطعمتك قوت ابني مات، وما هيهنا فضل أطعمك، فقال لها: إن ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى به، ويجزيني النصف الآخر فأحيى به وفي ذلك بلغة لي وله، فأكلت المرأة قرصتها وكسرت الأخرى بين إدريس وبين ابنها، فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات، قالت أمه: يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا على قوته، فقال لها إدريس: فأنا أحييه بإذن الله فلا تجزعي، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي ثم قال: أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله وأنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله، فلما سمعت أمه كلام إدريس وقوله: أنا إدريس، ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت، قالت: أشهد أنك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية: ابشروا بالفرج قد دخل إدريس في قريتكم، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الأول فوجدها وهي تل، فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها؟! فادع الله أن يمطر السماء علينا، قال: لا، حتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك، فبلغ الجبار قوله، فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له: إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه فدعا عليهم فماتوا، فبلغ ذلك الجبار فبعث إليه خمسمئة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا إدريس إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه، فقال لهم إدريس: انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له: يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت؟ أما لك رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب إليه وما أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتيني جباركم ماشيا حافيا وأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضي معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدريس مشاة حفاة، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله عز وجل أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم إدريس: أما الآن فنعم فسأل الله عز وجل إدريس عند ذلك أن يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم ونواحيها، فأظلتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا أنه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء“. (كمال الدين للصدوق ص127).

وفي القصة فوائد كثيرة، منها أن لقب (الرافضة) كان قديما جدا وهو يرمز إلى المؤمنين الذين يرفضون الباطل وحكام الجور، وكذا لقب (الأزارقة) الذي يرمز إلى الخوارج الذين يستحلون قتل المؤمنين من الروافض. ومن الفوائد أن للنبي ولاية تكوينية ليست من قبيل الدعاء المستتبع للاستجابة كما يتوهم بعض القاصرين، وإنما ولاية تكوينية حقيقتها أمر النبي أو المعصوم وإرادته المستتبعة للتحقق، فإن إدريس (عليه السلام) قد أمر مباشرة روح الصبي بالعودة فعادت. ومن الفوائد أن هذا الخبر يدعم ما نذهب إليه من امتناع صدور ترك الأولى من المعصوم، وأن الصادر هو من باب الاضطرار والتزاحم، فإن عزيمة الله تعالى كانت بالأصل في أن يمضي إدريس (عليه السلام) بتأديب قومه وإخضاعهم حتى لا يعودوا للطغيان، فما كان يتأتى له - والحال هذه - أن يسأل الله تعالى بأن يهطل المطر عليهم إذ لا بد من أن يأتي الجبار وأهل القرية إلى نبيهم مشاة حافين خاضعين نادمين، وهذه هي الحكمة من نزول البلاء عليهم. وأما ما ورد مما ظاهره عتاب الله تعالى لنبيه إدريس (عليه السلام) فقد ورد لغايات الإفهام والتأديب للغير ومن باب إياك أعني فاسمعي يا جارة. وأما حرمانه من الطعام الذي كان يأتيه فلحكمة بيانية هي أن يجدَّ الإنسان في طلب الرزق، لا أنه عقاب على ذنب أو حتى ترك للأولى.

زادكم الله من فضله وإحسانه وكرمه. والسلام. 11 شوال لسنة 1428 من الهجرة النبوية الشريفة.

11 شوال 1428


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp