ما رأيكم باعتماد ولادة الهلال فلكيا لحساب التقويم الهجري والاعتماد عليه شرعا؟

شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سماحة الشيخ ياسر الحبيب
تحية طيبة أما بعد،

خلافا عن العلمانيين، نحن نؤمن بأن الإسلام منهاج حياة و ليس مجرد علاقة بين الخالق و المخلوق. فقد قال الإسلام كلمته في كل جانب من جوانب الحياة و فشل الجميع في إيجاد أنظمة مماثلة للنظام الإسلامي. فلدينا الإقتصاد الإسلامي، و السياسة الإسلامية، و الإجتماع الإسلامي. و دائما أنظمتنا أفضل من أنظمة الآخرين. لأن نظامنا سماوي أما نظام الآخرين وضعي.

سؤالنا يتعلق بالتقويم الهجري. ما نعيشه حاليا يثبت بأن التقويم الميلادي أفضل و متقن أكثر من التقويم الهجري. فالتقويم الميلادي يرتكز على أسس علمية رصينة تعتمد على حركة الشمس و قام العلماء بتقديرها بالثواني. و معظم دول العالم تعتمد عليه فهو نظام ثابت لا يتغير و لا يختلف عليه أحد. أما التقويم الهجري، فلدينا هذا الإشكال عليه و نرجو منكم توضيحه لنا.

التقويم الهجري يعتمد على الرؤية و ليس على ولادة الهلال. نتيجة على ذلك، في العديد من المناسبات كالأعياد، تختلف الدول في تحديد موعد العيد، فتحتفل الدولة ألف غدا و الدولة باء اليوم الآخر. و هكذا. الإختلاف لا يكون بين الدول فحسب، بل بين أبناء المذاهب، بل بين كل جماعة أو عائلة. فشخص يرى الهلال فيحتفل بالعيد و حده، أما البقية ممن لا يثق أو يعرف ذلك الشخص، فيكمل العدة و ينشأ الخلاف بين الآخرين. لتكون كل جماعة أو شخص لها تقويمها الخاص. خلاصة القول، التقويم لا يمكن الإعتماد عليه كتقويم ترتكز عليه الدول. حتى في إنشاء الرزنامات، لا يستطيع أحد أن يقوم بعمل رزنامة هجرية لسنة كاملة. بخلاف إن كان التقويم يعتمد على ولادة الهلال، فستستطيع الامة أن تتحد و تتخذ من التقويم الهجري تقويما رسميا لها فلا يستطيع أحد أن يختلف على ولادة الهلال بحكم سهولة إثبات ذلك علميا.

فما رأيكم في الموضوع شيخنا؟

دعواتنا الدائمة لكم بدوام الصحة و العافية

فيصل حسين


باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد سيدنا ومولانا السبط الأكبر أبي محمد الحسن المجبتى صلوات الله وسلامه عليه، جعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع ولده القائم من آل محمد صلوات الله عليهم وعجل الله فرجه الشريف.

إن أحكام الإسلام وتوجيهاته لإدارة حياة الفرد والمجتمع ترتبط غاياتها بمصالح مؤكدة سواءً أدركها الناس أم لم يدركوها، واعتماد الإسلام لحركة القمر أساساً للتقويم يعود إلى ذلك، فقد ثبت علميا أن للقمر تأثيرا حتى على مزاج الناس وعلى الأجنة في بطون الحوامل، ولذا نبّه الإسلام في جملة من آدابه إلى ضرورة أن يمتنع الرجل عن مباشرة امرأته ليلة كذا ويوم كذا وساعة كذا، أو أن يفعل الشيء الكذائي في اليوم الكذائي، كل ذلك من هذا الباب، فلو أهملنا التأريخ القمري واعتمدنا الشمسي لفوّت البشر على أنفسهم هذه المصالح كما هو واقع اليوم.

هذا من جهة؛ ومن أخرى فإن مسألة تحديد بداية الشهر القمري لا يمكن إيكالها إلى الفلكيين، ذلك لأنه قد ثبت غير مرّة أن حساباتهم خاطئة في مسألة ولادة الهلال، كما أنهم اختلفوا غير مرّة، وتراجعوا في كثير من الأحيان، وهذا حاصل حتى بين الفلكيين الغربيين ذوي الباع الطويل علما وخبرة.
فإذا كان الأمر كذلك فلا معنى للاعتماد عليهم لأن الاعتماد يكون هنا على الظن لا على اليقين، والظن لا يغني من الحق شيئا.

نعم سبق أن ذكرنا في جواب سؤال سابق أن الفلكيين إذا توصّلوا إلى ما يورّث الاطمئنان الكامل بإمكان رؤية الهلال أو انتفائها في الليلة الكذائية على وجه أنه لو خرج خارج فإنه سيرى أو لن يرى حتما؛ كان حينئذ للاعتماد على حساباتهم وجه، إلا أنهم لم يتوصّلوا بعدُ لذلك، ولذا يُتمسك بطريق الرؤية البصرية.

وما يسبّبه التمسك بالرؤية لإثبات ولادة الهلال من اختلاف بين الأمة لن يختفي إذا ما عُدل عن ذلك إلى قول الفلكيين، لأنهم مختلفون أيضا كما مرّ عليك. فلا بدّ من القبول بالاختلاف الحاصل وإنْ على مضض، مع محاولة توحيد الإعلان ما أمكن، وقد سبق أن أشرنا إلى أن مما يُسهم في ذلك قيام مجلس شورى الفقهاء المراجع، لأن منشأ الاختلاف راجع لاختلاف مباني بعض الفقهاء، فلعلّ قيام هذا المجلس بما يتيحه من المباحثات الفقهية يقرّب أنظارهم في المسألة فتتنقح المباني ويتحد الحكم. هذا مضافا إلى أن المجلس سيكون مستقبِلا جامعا للشهود العدول فيشهد هؤلاء عند الجميع ولا تقتصر شهادتهم أمام واحد فيكون حكم الجميع عن بيّنة.

ثم لا شكّ بأن الواقع حاليا من الاختلاف هو من جملة ابتلاءات الله سبحانه وتعالى لنا، ولا شكّ أن فيه مصلحة ما خفية، لأن الشارع ارتضى هذا الطريق، والله العالم.

وفقكم الله وإيانا لنيل مراضيه. والسلام.

ليلة السابع من شهر صفر لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.


شارك الإجابة على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp