السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أريد أن أعرف الحقبقة في موضوع كتاب الإمامة والسياسة لإبن قتيبة فيقول أهل السنة أن إبن قتيبه لم يولفه ونسب إليه زورا وبهتانا وهذه أدلتهم في ذلك :-
1. أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكروا هذا الكتاب بين ما ذكروه له ، اللهم إلا القاضي أبا عبدالله التوزي المعروف بابن الشباط ، فقد نقل عنه في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين من كتابه ( صلة السمط ) .
2. أن الكتاب يذكر أن مؤلفه كان بدمشق . وابن قتيبة لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور .
3. أن الكتاب يروى عن أبي ليلى ، وأبو ليلى كان قاضياً بالكوفة سنة (148هـ) أي قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة .
4. أن المؤلف نقل خبر فتح الأندلس عن امرأة شهدته ، وفتح الأندلس كان قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة .
5. أن مؤلف الكتاب يذكر فتح موسى بن نصير لمراكش ، مع أن هذه المدينة شيدها يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين سنة (455هـ) وابن قتيبة توفي سنة (276هـ) .
6. أن هذا الكتاب مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير ؛ ففيه أبو العباس والسفاح شخصيتان مختلفتان ، وهارون الرشيد هو الخلف المباشر للمهدي ، وأن الرشيد أسند ولاية العهد للمأمون ، وهذه الأخطاء يتجنبها صغار المؤرخين ، فضلاً عمن هو مثل ابن قتيبة الذي قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية : ( …. وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون : من استجاز الوقيعة فيه يتهم بالزندقة ، ويقولون : كل بيت ليس فيه شيئ من تصنيفه لا خير فيه ) .
7. إن مؤلف (الإمامة والسياسة)يروي كثيراً عن اثنين من كبار علماء مصر ، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ من هذين العالمين ؛ فدل هذا على أن الكتاب مدسوس عليه .
أرجو أن ترد علي بسعة صدر لأني في حيرة من أمري وأريد الحقيقة وفقط
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كل هذه التشكيكات دافعها الوحيد هو محاولة المخالفين الهروب مما رواه ووثّقه ابن قتيبة بإنصاف في كتابه هذا مما يمسّ الأشخاص الذين يغالون في تقديسهم ويسمّونهم بالخلفاء الراشدين والصحابة!
وسترى أن هذه التشكيكات لم تنشأ إلا من الكذب تارة؛ والجهل أخرى! وإليك الردّ على كل نقطة مما زعمه هؤلاء:
• أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكروا هذا الكتاب بين ما ذكروه له، اللهم إلا القاضي أبا عبدالله التوزي المعروف بابن الشباط، فقد نقل عنه في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين من كتابه (صلة السمط).
- الرد: إنه الكذب أو الجهل! فإن كتاب (الإمامة والسياسة أو تاريخ الخلفاء) وثبوت نسبته إلى ابن قتيبة الدينوري مما ذكره كثيرون آخرون من أعلام المخالفين وعلمائهم غير القاضي ابن الشباط في صلة السمط، وبعضهم قد ذكره ليشنّع به على ابن قتيبة في أنه ذكر فيه هذه الحقائق عن خلفائهم وصحابتهم وأنه لم يحجبها عن الناس! هذا مع أن ابن قتيبة إنما افتتح كتابه بفصل يذكر فيه فضل أبي بكر وعمر!
ومن هؤلاء الذين أشاروا إلى كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة؛ القاضي ابن العربي حيث قال في كتابه المشهور العواصم: ”ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل أو مبتدع محتال! فأما الجاهل فهو ابن قتيبة؛ فلم يبق ولم يذر للصحابة رسماً في كتاب الإمامة والسياسة إن صحّ جميع ما فيه“. (العواصم من القواصم لابن العربي ص248).
ومنهم تقي الدين الفاسي المكي في كتابه العقد الثمين إذ قال عن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الذي كان أمير مكة: ”ذكر ولايته عليها ابن قتيبة في الإمامة والسياسة“. (العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين للفاسي المكي ج6 ص72، كما ذكره أيضا في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ص171).
ومنهم أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي الأندلسي المعروف بابن الشيخ في كتابه ألف باء إذ قال في ذكر ما فعله الحجاج بسعيد بن جبير: ”ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: أنه لما قدم على الحجاج سعيد بن جبير“. (ألف باء للبلوي الأندلسي ص478).
ومنهم عمر بن محمد المكي المعروف بنجم الدين ابن فهد في كتابه إتحاف الورى إذ قال في شأن الحجاج وسعيد بن جبير: ”وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة“. (إتحاف الورى بأخبار أم القرى في ذكر أحداث سنة 93، وكذلك ذكره ابنه المعروف بعز الدين ابن فهد في غاية المرام بأخبار سلطنة الحرام).
ومنهم ابن حجر الهيثمي في كتابه الذي ألفه دفاعا عن معاوية بن أبي سفيان (لعنه الله) حيث عتب على ابن قتيبة مشيرا إلى كتابه الإمامة والسياسة بأنه خالف فيه ما كان ينبغي من الإمساك عما شجر بين الصحابة، فقال: ”ومع تآليف صدرت من بعض المحدثين كابن قتيبة مع جلالته القاضية بأنه كان ينبغي له أن لايذكر تلك الظواهر، فإن أبى إلا أن يذكرها فليبين جريانها على قواعد أهل السنة حتى لايتمسك مبتدع أو جاهل بها“. (تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان لابن حجر الهيثمي ص72).
هذا ناهيك عمّن جاء بعد هؤلاء من المتأخرين والمعاصرين الذين جزموا بكون كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة، وناهيك عن طبعه مرّات وكرّات في مصر مع توثيق أنه لابن قتيبة الدينوري لا سواه، فكيف يُزعم بعد كل هذا أن أحدا لم يذكر نسبة هذا الكتاب إليه سوى شخص واحد هو ابن الشباط؟!
نعم إن أوّل من شكّك في نسبة هذا الكتاب إلى ابن قتيبة مستشرق أسباني هو جاينجوس في كتابه (تاريخ الحكم الإسلامي في أسبانيا)، فهنيئا للمخالفين اتباعهم للمستشرقين أعداء الإسلام!
• أن الكتاب يذكر أن مؤلفه كان بدمشق. وابن قتيبة لم يخرج من بغداد إلا إلى دينور.
- الردّ: أين ذكر ذلك في الكتاب؟! إنه لا وجود لهذا الذكر على الإطلاق! فلعلّ المستشكل كان يحلم أو أنه قد خُيِّل له أو أنه كان يقرأ كتابا آخر فحسبه الإمامة والسياسة!
• أن الكتاب يروي عن أبي ليلى، وأبو ليلى كان قاضياً بالكوفة سنة (148هـ) أي قبل مولد ابن قتيبة بخمس وستين سنة.
- الردّ: إنه ليس في الكتاب أية رواية عن أبي ليلى! وليس أبو ليلى هو القاضي! فالمستشكل واهم جدا!
بل الموجود هو رواية واحدة عن ابن أبي ليلى التجيبي، والقاضي المشار إليه إنما هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولم تُذكر في ترجمته أنه (التجيبي) فمن أين يزعم هذا المستشكل أنه هو نفسه القاضي؟! وكيف جمع بين الإثنين جزافا؟!
ثم لو تنزّلنا وقلنا أنه هو، فإن النصّ المذكور في الإمامة والسياسة لا يشير إلى أن ابن قتيبة قد روى عن ابن أبي ليلى التجيبي مباشرة، بل رواه عنه بواسطة راوٍ آخر هو الليث، فقد جاء: ”قال الليث: وبلغني أن رجلا غلّ... وحدّثنا ابن أبي ليلى التجيبي، عن حميد عن أبيه أنه قال: لقد كانت الدابة تطلع...“ (الإمامة والسياسة ج2 ص64) فالرواية عن ابن أبي ليلى التجيبي جاءت ضمن عدّة من الروايات التي يرويها الليث، وهذا يعني أنه حتى لو كان ابن أبي ليلى هذا قد توفي قبل ولادة ابن قتيبة بزمن؛ فإن ذلك لا يُسقط روايته عنه، لأنه إنما روى عن الذي التقاه، وهو الليث المذكور، ولم يروِ عنه مباشرة حتى يُتساءل عن كيفية روايته عنه.
• أن المؤلف نقل خبر فتح الأندلس عن امرأة شهدته، وفتح الأندلس كان قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وعشرين سنة.
- الرد: قاتل الله الجهل والغباء! فإن خبر هذه المرأة التي شهدت فتح الأندلس إنما ينقله ابن قتيبة من رواية المؤرخين عن جعفر بن الأشتر الذي كان مشاركا في جيش الفتح هذا، لا أنه يرويه مباشرة عن هذه المرأة! فالمرأة قد حدّثت جعفرا هذا لا ابن قتيبة!
قال ابن قتيبة في كتابه: ”وذكروا أن جعفر بن الأشتر قال: كنت فيمن غزا الأندلس مع موسى، فحاصرنا حصنا من حصونها عظيما... قال: وحدثتني مولاة لعبد الله بن موسى، وكانت من أهل الصدق والصلاح، أن موسى حاصر حصنها الذي كانت من أهله“. (الإمامة والسياسة ج2 ص65).
فها أنت ترى أن سياق الكلام ينصّ على أن المرأة إنما حدّثت جعفر بن الأشتر، وقد نقل عنه المؤرخون والرواة، وعنهم ينقل ابن قتيبة بقوله: (وذكروا) إلا أن المستشكل بغبائه ظنّ أن ابن قتيبة يحدّث عن تلك المرأة مباشرة واستغرب كيف يتم ذلك مع الفاصلة الزمنية بين فتح الأندلس ومولد ابن قتيبة!
• أن مؤلف الكتاب يذكر فتح موسى بن نصير لمراكش، مع أن هذه المدينة شيدها يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين سنة (455هـ) وابن قتيبة توفي سنة (276هـ).
- الرد: قاتل الله الكذب! فإنه ليس في الكتاب من أوله إلى آخره ذكر لمدينة مراكش! كل الذي فيه فتوحات موسى بن نصير للمغرب والأندلس، وليس فيه ذكر لمدينة مراكش. وإنما الذي ذكر ذلك هو المستشرق الأسباني - سالف الذكر - حيث عبّر عن المغرب بمراكش، ويبدو أن بعض الجهلة تابعوه على هذا دون أن يكلفوا أنفسهم مطالعة الكتاب والتحقق!
• أن هذا الكتاب مشحون بالجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير؛ ففيه أبو العباس والسفاح شخصيتان مختلفتان، وهارون الرشيد هو الخلف المباشر للمهدي، وأن الرشيد أسند ولاية العهد للمأمون، وهذه الأخطاء يتجنبها صغار المؤرخين.
- الرد: إنما الجهل والغباوة والركة والكذب والتزوير قد ظهرت من هذا المستشكل الأبله! فإن كل الذي أشار ابن قتيبة إليه هو أن عمّ أبي العباس الذي هو عبد الله بن علي كان يقال له أيضا السفاح، وذلك ضمن حديث غدره بمن تبقى من بني أمية وهم ثلاثة وثمانون رجلا كان قد أعطاهم أمانه ثم إنه قتلهم. فقال: ”وذكروا أن أبا العباس ولّى عمّه عبد الله بن علي - الذي يُقال له السفاح - الشام، وأمره أن يسكن فلسطين وأن يجدّ السير نحوها، وهنّأه بما أصاب من أموال بني أمية... وأن السفاح بعث إلى بني أمية وأظهر للناس أن أمير المؤمنين وصّاه بهم وأمره بصلتهم وإلحاقهم في ديوانه وردّ أموالهم عليهم، فقدم عليه من أكابر بني أمية وخيارهم ثلاثة وثمانون رجلا - إلى أن قال - ثم كتب إلى عمّه السفاح أن لا يقتل أحدا من بني أمية حتى يُعلم به أمير المؤمنين، فكان هذا أول ما نقم أبو العباس على عمّه السفاح“. (الإمامة والسياسة ج2 ص121).
فها أنت ترى أن ابن قتيبة كان ملتفتا إلى التمايز بين أبي العباس الذي كان أول خلفاء بني العباس وبين عمّه عبد الله بن علي، نعم هما يشتركان في لقب (السفاح) كما يعرفه من له أقل حظ في العلم بالتاريخ، فإن الأوّل لُقِّب بسفاح بني أمية، والآخر لُقِّب بسفاح دمشق لكثرة ما أوقعه هناك فيهم من المجازر.
ولم ينف ابن قتيبة عن أبي العباس لقب السفاح، ولا اختلق شخصية أخرى نحلها هذا اللقب حتى يُقال أن هذا المؤلف لم يعلم بأن الإثنين واحد! بل كل الذي ذكره أن عمّ السفاح كان سفاحا أيضا! فأين هذا من مدّعى الجاهل الغبي؟!
وأما أن هارون كان الخلف المباشر للمهدي فالتمعن في النص ومقارنته بما ذكره باقي المؤرخين كالطبري وابن الأثير يصرف ذلك المعنى إلى معنى آخر وهو أن أباه المهدي كان قد أراد تقديم ابنه عبد الله على ابنه المستخلَف موسى الهادي، ثم لما غفل عن ذلك وشرع عبد الله بقتله؛ أراد استخلاف هارون الرشيد، إلا أن ذلك حيث جرى في اليوم الأخير من حياته فإنه لم يتمّ إلا على أن يكون الرشيد وليا لعهد الهادي، وليس عبد الله، وهذا هو معنى مبايعته بعد أبيه المهدي. قال ابن قتيبة: ”وذكروا أنه لما كانت سنة ثلاث وسبعين ومئة توفي المهدي، وذلك أنه خرج يوما إلى بعض المنازل معه أهله وبعض بنيه، وكان قد ذكر أن يستخلف ابنه عبد الله بعده، ثم غفل عن ذلك وتركه، فحمل عبد الله الحرص والطيش على أن دس على أبيه بعض الجواري المتمكنات بسمه، وبذل لها على ذلك الأموال ومنّاها أماني الغرور، فلما سمّته ووصل إليه السم، عرف المهدي أنه قد قُتل، فدعا كاتبه فقال له: عجّل واكتب عهد هارون الرشيد، وخذ بيعة الجند وأمراء الأجناد واكتب بذلك إلى ولاة الأمصار... ثم توفي المهدي من يومه ذاك واستخلف الرشيد وخرج إلى الناس يبايعهم“. (الإمامة والسياسة ج2 ص153).
والتقديم والتأخير واستخدام عبارات تحتمل أكثر من وجه؛ هو أمر معهود عند المؤرخين والمؤلفين القدماء كافة.
وأما أن الرشيد أسند ولاية العهد للمأمون فإن هذا قول لمؤرخين آخرين، إذ يُقال أن الرشيد عدل عن استخلاف الأمين لما رآه من طيشه، فاستخلف المأمون في أواخر أيام حياته إلا أن الأمين بعده قد استغل غياب المأمون عن بغداد وتشبث بوصية أبيه الأولى. وعليه فلا داعي للاستيحاش مما ذكره ابن قتيبة في هذا الشأن، فإنه يوافق قول بعض المؤرخين الآخرين.
والاختلاف بين المؤرخين أمر عادي، ولا يكون بمجرّده دليلا على الركاكة المزعومة!
• إن مؤلف (الإمامة والسياسة) يروي كثيراً عن اثنين من كبار علماء مصر، وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا أخذ من هذين العالمين؛ فدل هذا على أن الكتاب مدسوس عليه.
- الرد: لو كان هذا المستشكل قد اطلع على مقدّمة المحققين لهذا الكتاب من قومه المخالفين لوجد أنهم نبّهوا على أن ابن قتيبة في كتابه هذا لم تكن عادته على ذكر الأسناد، لأنه كتاب تأريخي، فاكتفى بنسبة القول إلى من رووا تلك الوقائع والأحداث، وكثيرا ما كان يشير إلى ذلك بقوله: رووا وقالوا وذكروا.. ونحو ذلك من الألفاظ.
فما توهّمه هذا المستشكل - أو أنه قصد إيهام السذج به - هو أن ابن قتيبة يروي مباشرة عن هذين الرجلين من مصر، والحال أنه إنما يروي عنهما وعن غيرهما بالوسائط ليس إلا، وقد مرّ عليك روايته عن مولاة عبد الله بن موسى في فتح الأندلس.
والحاصل أن إنكار نسبة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة؛ دونه خرط القتاد.
وفقنا الله وإياكم للاهتداء إلى سبيله. والسلام.
الثاني عشر من ربيع الأول لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.