السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا عندي مسئلة آني بالعراق وأدرس هسه عد واحد عقائد في السماوه ايكول أن التقية حكم جاري ونافذ ولاينقطع ويتوقف على مابذاكرتي هكذا يقول
المهم أنا أذكر قولكم أن التقية قد توقف أمرها ولاترون حكمها نافذ في زماننا هذا
فأريد أن أعرف ماهو دليلكم على أنها غير نافذه حتى أطرحه على الشيخ اللي يدرسنه ومن ثم هل هناك إستثناء جائز في التقية ؟؟
يعني هل هناك حالات تكون التقية عندكم جائزة الإستخدام ؟؟
شكراً وزاد الله في توفيقكم
عباس
باسمه تقدست أسماؤه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أسعد الله أيامنا وأيامكم بذكرى ميلاد النبي الأعظم وحفيده الصادق (صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما) جعل الله أيامنا وأيامكم وأيام الموالين جميعا في سرور وعافية.
إنْ كان ما نقلتَه دقيقا؛ فيبدو أن أستاذك - هداه الله - بحاجة إلى أستاذ يُخرجه من وهمه وخياله!
إن التقية بالأصل رخصة لا عزيمة، وهي تبيح للمكلّف ارتكاب أمر محرّم مخالف للحق التكليفي في الشارع اتقاءً للضرر المحتمل وقوعه عليه إن امتنع عن المخالفة. و يختلف حكم التقية باختلاف الموضوع، فينقسم إلى الأحكام الخمسة، فالواجب ما كان لدفع الضرر الواجب دفعه ولم يترتب عليه مفسدة أقوى، كالتعرض للقتل. والمستحب ما كان للتحرز عن معارض الضرر ولو آجلا، كترك الصلاة معهم جماعة فيما لو أدى ذلك تدريجا إلى تضرره منهم لاحقا. والمباح ما تعادل فعله مع تركه في ميزان الشرع، كإظهار كلمة الكفر وتركه تعرضا للضرر في بعض الموارد. والمكروه ما كان تركه والتضرر لذلك أرجح من فعله، كشرب من يُقتدى به الخمر بحيث يجرُّ ذلك التباس حكم الحرمة في أذهان الناس. والمحرم ما كان لا ضرر يعتد به في تركه أو كان إلا أن المفسدة المترتبة على فعله أقوى من تلك المترتبة على تركه، كقتل النفس المحترمة وإضرار الغير.
وعليه فالتقية تدور مدار توقع حصول الضرر على النفس أو الجماعة، ويتأكد ذلك بملاحظة معناها اللغوي إذ هي اسم مصدر من ”اتّقى يتّقي شرا أو ضررا“. ويختلف حكمها باختلاف مصاديقه وما يترتب عليه. وينضم إلى التقية غيرها من قواعد حاكمة على الأحكام الأولية في مثل هذه الصور، كقاعدة لا ضرر، وقاعدة الاضطرار.
وعليه فلو لم يكن هناك مورد للضرر؛ فلا تقية مطلقا، فكيف يُقال بأنها نافذة دائما؟!
بل حتى لو كان في بعض الموارد ضرر، فإنه يجوز ترك التقية إذا كان في تركها مصلحة أولى أو كان في فعلها مفسدة أشد، فيحرم في هذه الصورة العمل بالتقية ويجب تعريض النفس للضرر أو الهلاك. وفي بعض الصور يسقط الحكم بالاستحباب وينقلب إلى الكراهة، أو الإباحة فيما لو تعادلت المصلحتان في العمل والترك، كما مرّ عليك. ويدل على ذلك أمور:
منها؛ ما قام به سيد الشهداء أبو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) في نهضته الخالدة ضد حكومة يزيد بن معاوية (لعنة الله عليهما) إذ لا يختلف اثنان على أن موضوع التقية كان متحققا في زمانه، وأنه كان يجوز له العمل بها اتقاءً لضرر القتل المحتَّم، فيصالح يزيد ويبايعه وينزل على حكمه، وقد كان ذلك مطلب ابن زياد (لعنه الله) حين احتشدت جيوشه في أرض كربلاء. ومع أن المعركة كانت محسومة سلفا لعدم التكافؤ في ميزان القوة بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، إلا أنه (عليه السلام) آثر أن يضحي بنفسه وبأهل بيته وأصحابه ويعرّضهم جميعا للقتل والهلاك على أن يبايع أبناء البغايا والطلقاء وأن يعطيهم الدنيَّة من نفسه، فقد أعلنها روحي فداه: ”هيهات منا الذلة“.
وما قصد إيراد النفس مورد القتل وتعريض الأهل والنساء والأصحاب للضرر على اختلاف أنواعه من قتل وتعذيب وسبي ونهب ونحو ذلك؛ إلا لأنه كانت هناك مصلحة أَوْلى في ترك العمل بالتقية، وتلك المصلحة تمثَّلت بما ذكره الإمام (بأبي هو وأمي) حين قال: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»، ومؤدّاها حفظ الدين وعزل الحاكم الظالم عنه وتمييز الحق من الباطل على مرّ الزمان لئلا يختلطا فينحرف الناس، ووقد تولَّد هذا التمييز من خلال واقعة الطف التي تركت في النفوس صورة معبِّرة لا تنمحي عن صراع الخير والشر، كما تركت أثرا شعوريا لا يفنى، والصورة والأثر ينعكسان على فكر الإنسان وسلوكه، فينبذ الشر والظلم والباطل، ويأخذ بالخير والعدل والحق.
والمتأمِّل في ما انطوت عليه مدرسة عاشوراء يلمس بجلاء كيف أن الإمام (عليه السلام) تعمَّد ترك التقية حتى في أحلك وأشد مراحل المعركة على الأرض مع علمه القطعي بما يجرُّه ذلك من استثارة القوم للإقدام على قتله وتسريع ذلك، كل هذا لأن حفظ الدين وإعلاء كلمته يتوقف عليه، وهذه هي المصلحة الأَوْلى التي أسقطت حكم وجوب التقية رغم تحقق الموضوع الضرري بأشد مصاديقه.
ومنها؛ محاورة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع ميثم التمار (رضوان الله تعالى عليه) إذ قال له: ”يا ميثم.. كيف أنت إذا دعاك دعيُّ بني أمية إلى البراءة مني؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين.. أنا والله لا أبرأ منك. قال عليه السلام: إذن والله يقتلك ويصلبك! قلتُ: أصبر، فإن ذلك في الله قليل. قال عليه السلام: يا ميثم.. إذن تكون معي في درجتي“.(الوسائل ج16 ص227 عن رجال الكشي والخرائج والجرائح للراوندي).
والرواية تدل على استحباب ترك التقية حتى مع التيقن من وقوع ضرر بالغ كالقتل والصلب، إذا كان الترك تأكيدا لولاية أهل البيت (عليهم السلام) خاصة ممن يكون في مقام مَن يُقتدى به والأنظار شاخصة إليه، ولذا أقدم ميثم على ذلك فعلا في ما بعد، وكذا رُشيد الهجري وحجر بن عدي وكُميل بن زياد وقنبر (عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه) فإنهم جميعا قُتلوا وصُلبوا وقُطعت أيديهم وأرجلهم وألسنتهم، ولم يختاروا البراءة من مولاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنهم لو فعلوا لزلزل ذلك نفوس كثير من الشيعة آنذاك، إذ كانت أنظار الشيعة شاخصة نحو هؤلاء المقدّمين المبرّزين من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ولا شك أن رضوخهم للتهديد وقبولهم بإعلان البراءة يحطُّ من العزائم ويضعف القلوب، وهو ما تكون له آثار سلبية كثيرة لاحقا، أسوأها اضمحلال التشيع أو ضعفه.
هذا وثمة نكتة في ذيل الرواية وهي أن الذي يضحي في سبيل الدين بنفسه مستقبلا الضرر وتاركا التقية يكون له مقام عظيم عند الله تعالى، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لميثم: ”إذن تكون معي في درجتي“.
ولعل أستاذك يتشبّث بهذا الخبر ونظائره لتبرير قوله المتهافت، وهو ما رواه الصدوق عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: ”لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية. فقيل له: يابن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا“. (كمال الدين وتمام النعمة ص371).
إلا أن هذا التشبث لا يصحّ، ذلك لأن دعوى وجوب التقية مطلقا ليس إلى إثباتها سبيل مع ما بان لك من حرمتها في بعض الموارد وكراهتها أو إباحتها في أخرى، فيُحمل هذا الخبر وأمثاله على معنى أن تارك التقية الواجبة قبل خروج القائم (صلوات الله عليه) ليس منهم، لا تارك التقية المستحبة أو المباحة أو المكروهة. وبعبارة أخرى؛ إن موضوع التقية إذا تحقق وبلغت فيه المفسدة حد وجوب الدفع فإن التقية حينئذ تكون واجبة ويكون تركها حراما، فهذا الذي يتعمّد تركها في هذه الصورة يكون مرتكبا للفعل المحرّم، ولا شك أنه بذلك ليس منهم عليهم السلام.
والظاهر أن الخبر في مقام التحذير من خصوص الخروج قبل ظهور صاحب الأمر (عليه السلام) فإن مَن وقف على أحاديثهم (عليهم السلام) وتذوّق معانيها يلحظ اقتران ذكرهم للتقية بأمر الخروج على نحو المقابلة، حيث كان الدخلاء يجنّدون الجنود ويكتّبون الكتائب بشعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد، ولم يكن هدفهم إسقاط الحكومات القائمة لتسليم السلطة إلى أصحابها الشرعيين من أهل البيت (عليهم السلام) وإنما كان هدفهم إسقاطها لينالوها بأنفسهم، كما فعل بنو العباس في بني أمية، وكان كثير من الشيعة ينخدعون بتلك الشعارات ويظنون أن أصحابها ممن نصبهم الأئمة (عليهم السلام) لأداء تلك المهمات، وكان أولئك الدخلاء يدّعون المهدوية أيضا، وإزاء ذلك كان الأئمة (عليهم السلام) يحذرون شيعتهم من هؤلاء مفنّدين مزاعمهم ومبطلين دعاواهم بالتأكيد على أن صاحب الأمر لم يظهر بعد وأن التقية في شأن الخروج على هذه الحكومات القائمة ستبقى إلى حين ظهوره وهؤلاء الدخلاء إنما يخرجون خلافا لأمرهم. وعلى هذا فيكون معنى هذا الخبر وأمثاله أن من ترك التقية في خصوص القيام بجهد عسكري ضد السلطات القائمة وانضوى تحت لواء مَن خرج بغير أمرهم (عليهم السلام) فليس منهم. أما لو كان خارجا وثائرا بإذن منهم فليست التقية واجبة عليه ولا تحذير منه ولا ذم له، وإلى هذا يتوجّه معنى ما رواه ابن ادريس عن الصادق عليه السلام: ”لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد صلى الله عليه وآله، ولوددت أن الخارجي من آل محمد (صلى الله عليه وآله) خرج وعليَّ نفقة عياله“. (الوسائل ج11 ص39 عن السرائر لابن ادريس) وبهذا يمكن تصويب ثورة زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) مثلا. كما يمكن تصويب تصدي الفقهاء العدول الجامعين للشرائط في زمن الغيبة لتأسيس الدولة باعتبار مأذونيتهم من قبل ولي العصر (أرواحنا فداه) على القول بعموم وظيفتهم لهذا المورد. فتأمّل.
وعلى أية حال فإنه لا شك عند أهل العلم والفضل والتحقيق أن معنى قولهم عليهم السلام: ”لا دين لمن لا تقية له.. لا إيمان لمن لا تقية له“ هو أنه لا دين ولا إيمان لمن لا يعتقد بوجود حكم التقية شرعا، لا أنه لا دين ولا إيمان لمن لم يعمل بالتقية حتى مع عدم تحقق موضوعها الضرري. وبهذا يتأكد أن قوله عليه السلام: ”فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا“ معناه أن من ترك التقية الواجبة بدعوى ارتفاع حكمها قبل خروج القائم فليس منهم، وذلك بضميمة صدر الرواية حيث قوله عليه السلام: ”ولا إيمان لمن لا تقية له“، وبضميمة التقييد بما قبل الخروج في قوله عليه السلام: ”قبل خروج قائمنا“، لأن حكم التقية يرتفع عند خروج القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ونحن معه.
فالخبر إذن ناظر إلى الحكم لا الموضوع، ولا شك في بقاء الحكم متى ما تحقق موضوعه. على أننا ذكرنا أن حمل الخبر على خصوص التحذير من الخروج والثورة بغير إذن منهم (عليهم السلام) لا يخلو من قوة. وكيف كان؛ فإن دعوى أن التقية واجبة مطلقا في كل الموارد وعلى سبيل الدوام إلى ما قبل قيام قائم آل محمد (صلوات الله عليهم) هي دعوى باطلة لا يشفع لها خبر ولا يساندها استدلال، ولو كان الأمر كذلك للزم علينا الإنكار على اليماني والخراساني الموعودَيْن حال خروجهما! ذلك لأنهما سيتركان العمل بالتقية مع أن القائم (عليه السلام) لن يكون قد خرج بعد، فكيف يوصفان في لسان الروايات بالهدى والحال أنهما قد ارتكبا محرّماً الذي هو ترك التقية بزعم الزاعمين؟! فإن خروجهما علامة تركهما للتقية كما لا يخفى.
قُل لأستاذك: قد ورد في الحديث الذي مرّ عليك عن الصادق صلوات الله عليه: ”إياكم وذكر علي وفاطمة فإن الناس ليس شيءٌ أبغض إليهم من ذكر علي وفاطمة عليهما السلام“.( الكافي ج8 ص159 عن عنبسة، وعنه الوسائل في أبواب التقية).
أفهل يصح أن نأخذ هذا الحديث على ظاهره وإطلاقه فنحرّم على الناس ذكر علي وفاطمة (عليهما السلام) ونمنع كل مجلس يُعقد وكل خُطبة تُلقى وكل كتاب يُكتب وكل جُهد يُبذل لبيان فضائل المرتضى والزهراء صلوات الله عليهما وآلهما؟! قطعا لا.. فإن هذا الحديث الشريف قد صدر في أجواء الضغوط الخانقة التي تطلّبت أن يأمر الأئمة شيعتهم بالتزام التقية المشددة حتى في مجرد ذكر علي وفاطمة عليهما السلام، أما الآن حيث ارتفع ذلك المحذور بحمد الله تعالى فلا نهي عن ذكرهما (صلوات الله عليهما) فيعود الحكم للاستحباب.
فكذلك هو الأمر في روايات التقية والنهي عن الإذاعة أو ذكر مخازي الظالمين، إنها مقيّدة بظروف تلك الأزمنة العصيبة، فلا يصح ترتيب حكم دوام وجوبها عليها كما يفعله هؤلاء الذين في قلوبهم مرض الانهزامية والخوف!
إن هذا هو ما حذر منه أئمتنا عليهم السلام، وهو استفحال مرض خطير هو الانهزامية والجُبن باسم رخصة شرعية هي التقية، فقد قال إمامنا الصادق عليه السلام: ”إنما جُعِلَت التقية ليُحقَن بها الدم، فإذا بلغت التقيةُ الدمَ فلا تقية! وأيَّمُ الله لو دُعيتم لتنصرونا لقلتم: لا نفعل! إنما نتَّقي! ولكانت التقية أحبَّ إليكم من آبائكم وأمهاتكم! ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثيرٍ منكم من أهل النفاق حدّ الله“! (التهذيب ج6 ص172 عن أبي حمزة الثمالي رضوان الله عليه).
وليت الشيعة في هذا الزمان يحفظون هذا الحديث ويتدبّرون فيه ليدركوا المصيبة التي يوقعون أنفسهم فيها باسم التقية!
جعلنا الله وإياكم من أنصار دينه المستبسلين في نصرة أوليائه. والسلام.
ليلة الثامن عشر من ربيع الأول لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.