السلام عليكم
مبروك عليكم شهر الله
أرجو أن أجد رداً على سؤالي المتواضع وأتمنى أن يصل دعائي لكم وأن يسدد الله خطاكم
سمعت أن الأيام الفاطمية ثلاثة
-الأيام الفاطمية الأولى
-الأيام الفاطمية الثانية
-الأيام الفاطمية الثالثة
فما هي أسباب هذه الأيام ومتى وكم عددها هل إنها جميعها عشرة أيام.... أرجوكم أفيدوني وتحملوني
وأخيراً بالنسبة إلى دعاء صنمي قريش فقد قام أحد اصحابي بإهدائي نسخة لدعاء قريش بالصوت ولكنها تتقطع نوعاً ما والتسجيل غير واضح وأخبرني بأنه طلب منكم أن تضيفون هذا الدعاء بصوت الناطق بصوت الحق الشيخ ياسر الحبيب وقد وعدتموه بذلك في المستقبل ، لذا فأرجو الإستعجال في ذلك.
أخوكم سليمان
مستبصر من البحرين
باسمه تعالى شأنه. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عظم الله أجورنا وأجوركم باستشهاد مولانا أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام، وجعلنا الله وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه المنتظر المهدي أرواحنا فداه وعجل الله فرجه الشريف.
نبارك لكم إيمانكم بولاية محمد وآل محمد صلوات الله عليهم.
منشأ التحيّر في يوم استشهاد مولاتنا الزهراء البتول (صلوات الله عليها وأرواحنا فداها) هو تعدّد الروايات في ذلك، وهو تعدّد معهود في كثير من الوقائع التاريخية، كتاريخ استشهاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتواريخ مواليد ووفيات الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم، بل وحتى تواريخ هلاك أعدائهم. والمسألة طبيعية إذا ما لاحظنا حتى وقوع التباين في الروايات الفقهية التي تتحدث عن موضوع واحد، فيقع الاختلاف في الحكم.
ليس معنى ذلك أن الأئمة (عليهم السلام) أوقعوا هذا الاختلاف بأنفسهم؛ فإن كلمتهم كانت واحدة – إلا إذا استثنينا ما كانوا يضطرون إلى قوله من باب التقية مثلا – وإنما وقع هذا الاختلاف بسبب اختلاف الرواة وصعوبة عملية التدوين في ذلك الزمان وكثرة ضغوط السلطات التي كانت تمنع من التواصل المباشر مع أهل البيت (عليهم السلام) مضافا إلى دخول عامل النسيان وعدم التثبت والخلط في الموضوع.
ولا سبيل إلى فكّ هذا التضارب غير إعمال قواعد الترجيح، ونقصد بها الشروع في بحث وتحقيق عميقين حول الروايات الواردة حول موضوع معيّن، ثم ترجيح إحداها أو طائفة منها على الأخرى حسب القرائن والمعاضدات والمجبّرات وما إلى ذلك.
هذا ما نقوم به حينما نستنبط حكما شرعيا، وهذا أيضا ما نقوم به حينما نحقق تأريخيا، وضمن هذا المجال يأتي موضوع استشهاد الزهراء صلوات الله عليها.
في شأن تحديد يوم وتاريخ استشهادها (عليها الصلاة والسلام) وردت روايات متعددة، منها:
1- أنه كان في الثالث من شهر جمادى الآخرة. وقد ورد ذلك في دلائل الإمامة ومسار الشيعة ومصباح المتهجد والإقبال والبحار وغيرها من مصادر.
2- أنه كان في العشرين من شهر جمادى الآخرة. وورد ذلك في الإقبال.
3- أنه كان في الثالث من شهر رمضان. وورد ذلك في كشف الغمة.
4- أنه كان في الحادي والعشرين من شهر رجب. وورد ذلك المصباح.
هذا ما ورد في تحديد اليوم. ولكن هناك طائفة أخرى من الروايات حدّدت المدة التي تفصل بين يوم استشهاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبين يوم استشهاد ابنته الزهراء (صلوات الله عليها)، وهي:
1- أن الفترة كانت خمسا وتسعين يوما. وورد ذلك في كشف الغمة.
2- أن الفترة كانت خمسا وسبعين يوما. وورد ذلك في الكافي.
3- أن الفترة كانت أربعين يوما. وورد ذلك في الاحتجاج.
ومن خلال عملية الجمع بين الطائفتين، نصل إلى النتائج التالية:
• الرواية الأشهر من الطائفة الأولى هي أن يوم الاستشهاد كان في الثالث من شهر جمادى الآخرة. وهي مروية عن الإمام الصادق صلوات الله عليه بسند حسن، وقد صرّح بها المفيد في مسار الشيعة.
• الروايتان 1 + 2 من الطائفة الثانية التي تتحدث عن المدة إنما هي رواية واحدة بالأصل، لأن كلمة (تسعين) تطابق كلمة (سبعين) في الكتابة العربية القديمة الخالية من التنقيط، لكن الإشكال الذي نشأ هو في تلقي أصحاب الجوامع الحديثية للأصول الروائية القديمة، فأحدهم ظنّ أن اللفظ هو (تسعين) فسجّلها هكذا، بينما ظنّ الآخر أن اللفظ هو (سبعين) فسجّلها هكذا. علما أن الرواية هي واحدة بالأصل، وهي صحيحة السند عن الصادق عليه السلام، وكذلك تماثلها رواية عن الباقر عليه السلام، وعن أمير المؤمنين عليه السلام.
• عند مطابقة الرواية الأشهر من الطائفة الأولى، بالرواية الأصح من الطائفة الثانية، نخلص إلى نتيجة كلية وهي أن يوم استشهادها صلوات الله عليها إنما هو في يوم الثالث من شهر جمادى الآخرة، لأن الفترة الواقعة بين استشهاد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبين استشهادها هي خمس وتسعون يوما، أي في الثالث من شهر جمادى الآخرة، وهو ما يطابق الرواية الأشهر. وهذا هو الأرجح والأقوى. أما الروايات الأخرى فهي أضعف من تلك وليس لها ما يقوّيها أو يجبرها، كما أنها تفتقد الشهرة وصحة السند.
لكن سيرة الشيعة الموالين (حفظهم الله تعالى) هي إقامة مراسم عزاء الزهراء البتول (أرواحنا فداها) في أكثر من مناسبة على مدار العام، فتكون هناك الفاطمية الأولى والفاطمية الثانية والفاطمية الثالثة، مع أن كثيرا من البلدان لا تجد فيها إلا مناسبتين هما الفاطمية الأولى والثانية، واللتان تطابقان الفاطمية الثانية والثالثة عند من يقيمونها ثلاثا.
هؤلاء من فرط حبهم للزهراء (صلوات الله عليها) آلوا على أنفسهم إلا إحياء ذكرى استشهادها في كل يوم محتمل، ولذلك نظموا هذه المناسبات العظيمة على هذا النحو.
فتكون الفاطمية الأولى مستندة إلى رواية أن الفترة الواقعة بين استشهاد النبي (صلى الله عليه وآله) وبين استشهادها أربعون يوما، أي الثامن من شهر ربيع الآخر.
وتكون الفاطمية الثانية مستندة إلى رواية أن الفترة هي خمسة وسبعون يوما، أي في يوم الثالث عشر من شهر جمادى الأولى.
وتكون الفاطمية الثالثة مستندة إلى رواية أن الفترة هي خمسة وتسعون يوما، أي في يوم الثالث من شهر جمادى الآخرة، وهو الأرجح والأقوى في نظرنا ونظر جمع كبير من المحققين والعلماء. والله العالم.
وعلى أية حال فإن تنظيم هذه المناسبات العظيمة وذكر الزهراء (صلوات الله عليها) في أكثر من مناسبة على مدار العام هو خير من اقتصار ذكرها وإحياء مظلوميتها في مناسبة واحدة، بل ينبغي الإكثار من هذه المناسبات فإن ذلك أقل ما يمكن تقديمه وفاءً لمولاتنا شفيعة يوم الجزاء أرواحنا وأرواح العالمين فدى تراب نعليها.
أما عن قراءتنا لدعاء صنمي قريش، فأملنا أن تدعو لنا بالتوفيق.
وفقكم الله لمرضاته، والسلام عليكم وعلى جميع المؤمنين في البحرين ورحمة الله وبركاته.
التاسع عشر من شهر رمضان لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة.