تلقى مكتب سماحة الشيخ ياسر الحبيب «حفظه الله» في العاصمة البريطانية لندن، على مدى السنوات الأخيرة التي عقبت ضجّة أنصار عائشة وأخوانهم بالرضاعة من السائرين في ركب معمّمي أهل الدجل والسياسة والنفاق والمصالح الدنيوية في الوسط الشيعي، والذين أقاموا الدنيا معًا ولم يقعدوها ضد احتفاله السنوي الأول الذي أقامته هيئة خدام المهدي «عليه السلام» بإشراف وتوجيه من سماحته في ذكرى هلاك الحميراء الملعونة قاتلة رسول الله الأعظم «صلى الله عليه وآله» السلقلقية الحميراء عائشة «لعنة الله عليها» وعلى سائر المنافقين والمنافقات الذين لا حرمة لهم في الإسلام.
تلك الضجة كانت بمثابة أكبر هدية تلقاها الشيخ في حياته إذ تشيّع بسببها ما لا يمكن إحصاؤه من الأفراد والأسر من أبناء المخالفين وذوي قرابتهم واهتدت من بينهم عوائل بأكملها بعدما بانت لهم الحقائق الغائبة عن آذانهم، ففتحت عيونهم للبحث والتحري واكتشاف حقيقة هذه المرأة المجرمة إثر اطلاعهم على نور ودرر كلام أهل البيت الطاهرين «عليهم الصلاة والسلام» المنسالة على أسماعهم من لسان سماحة الشيخ الحبيب عبر متابعة سلسلته الفريدة التي ألقاها آنذاك وتـُرجـِمت فيما بعد إلى عدة لغات فاكسبته شهرة واسعة النطاق على مستوى العالم بعدما كانت شهرته ضيقة في بلده الكويت وبعض أرجاء المنطقة، فأفرزت هذه الفتنة الحق من الباطل باظهارها معادن الناس واختلافهم بين الطيّب والخبيث، والمبدئي والمجامل، والمؤمن والمنافق، فزاد على إثرها سواد أهل الحق باللالتفاف حول راية النبي والعترة وأقوالهم بينما تمسك البعض الآخر بأقوال مخالفيهم والمتزيّنين بهم لغرض اكتساب الدنيا والاستسلام لما تفرضه عليهم من ضغوط اجتماعية توجب التمظهر بحب أهل البيت والذود عنهم.
وقد نالت سلسلة محاضرات الشيخ الحبيب في الدروس الحوزوية التي يلقيها على تلامذته في الفقه الاستدلالي والقواعد الفقهية والدراية والرواية وبعض المتطلبات الأخرى من كتبه المخطوطة نصيبًا من الثناء عليه من قبل بعض أساتذة الحوزات العلمية في النجف الأشرف، والذين اتصل بعض أهل الخبرة منهم أو وصل إلى المكتب عن طريق بعض المتواصلين مع أعضاء الهيئة عنهم عدم مقدرتهم عن اخفاء اعجابهم بما يلقيه الشيخ الحبيب في محاضراته وخطاباته لا سيما بحوثه التي يلقيها في دروس بحث الخارج الموجّهة إلى طبقة العلماء والمبلغين والتي نشرت أو بثت على الهواء مباشرة في السنوات الأخيرة، وقد شهد بعضهم للشيخ بالفضل والتفقه فيما يطرحه بينما شهد البعض الآخر له بالقرب من الاجتهاد.
وبعد طباعة كتاب (الفاحشة الوجه الآخر لعائشة) الذي انتهى الشيخ الحبيب من كتابته في 10 رجب 1431 للهجرة، وقامت الهيئة بطبعه وتوزيعه في بادئ الأمر على نخبة من العلماء والمثقفين، تلقى المكتب عددا من الاتصالات المهمة من بينها اتصال لأحد المجتهدين الكبار في قم المقدسة، كما وصل إليه عبر عبر بعض الوسائط نقلا عن مجتهدين آخرين تنويها بفضل الشيخ الحبيب وسعة اطلاعه على الأخبار والروايات، مقدّرين له جهده المبذول في كتابه لطرح المسائل الخلافية بلغة عقلية واستدلاية منطقية وضعت أثرها في كيانهم فغيّرت رؤاهم وأفكارهم وتصوراتهم لوقائع وأحداث تاريخية وقعت بعد مقتل الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» وما تلا ذلك من مجريات في واقعة الجمل و الأحداث الأخرى.
كذلك تلقى المكتب إلحاحا من بعض النخب والفضلاء والوجهاء في طلب طباعة سلسلة محاضرات (تحرير الإنسان الشيعي) التي قدّم فيها الشيخ الحبيب استدلالاته التوضيحية لإثبات صحة هذا المنهج و الأسلوب التبليغي في مواجهة المخالفين والجاحدين لحق أهل البيت عليهم السلام، والسعي لكسر شوكتهم وبيان باطلهم حفظا للعقيدة الحقة، حيث استعرض فيها الشيخ «حفظه الله» نماذج مختلفة من سيرة أئمة أهل البيت الطاهرين وسيرة أصحابهم الميامين وشعراء الشيعة الأقدمين والعلماء الأسبقين الذين وضعوا أسس هذا المنهج، فجاء تركيز هذه الاتصالات دافعا لطباعة هذه السلسلة في مجلد كامل، وقد انتهى الشيخ بمساعدة من قيّضهم الله لخدمته وخدمة دين الباري «عز وجلّ» من تدوينها وتنقيحها وإضافة بعض الأمور الأخرى إليها فتم طبع هذا الكتاب بالفعل في مجلد يحتوي على أكثر من 800 صفحة وأصبح من أكثر المؤلفات للشيخ مطلوبية ورغبة بعد أن نال استحسان الكثيرين.
من جهته ما زال الشيخ الحبيب يجد نفسه مقصرًا كثيرا وهذا ما اضطره للرد على سؤال الكثير من المؤمنين عبر البث المباشر في (قناة فدك الفضائية) فدعا السائلين الكرام إلى أن لا يفتنوه بنفسه ليساعدوه بذلك على أن يستمر في جهوده الرامية لتنقية مسيرة إسلام خير البشرية من الشوائب والانحرافات العقدية المتسللة إلى ديننا عبر الأديان الأرضية والمذاهب الشيطانية المبتدعة دون أن يصاب بذرة من العجب بالنفس، وليبتعد البعض عن مرض الاقتصار في معرفة الحق عبر تقديس شخصيته، مؤكدا في الوقت نفسه التعويل على أن تسير هذه الأمة نحو أن تتوعى بنفسها وتعرف من ظلمها وظلم نبيها وساهم في طمس واخفاء الحقائق عنها، منوّهًا على ضرورة أن ينشغل المؤمنين في توعية الآخرين، إذ بهذا السبيل سينصرونه في الثبات على مبادئه في زمن صار فيه القابض على دينه كالقابض على جمرة.
كما دعا الشيخ الحبيب الله سبحانه وتعالى أن يجنبه الابتلاء في المستقبل بأن تدور عليه الدائرة فيجبر يوما ما على القبول بدور أكبر، فبيّن سماحته أن من أسباب دعائه لعدم الابتلاء بدور أكبر في الحاضر والمستقبل هو أن دور صاحب هذا الشرف العظيم صعب جدًا لما يتطلبه من تكليف بالمداراة والحاجة إلى تقريب بعض المنافقين والمندسين كما كان الحال عليه في عهد رسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» إذ تحمل – أرواحنا فداه – بصبره وحنكته أؤلئك المنافقين الأوائل الذين تجمعوا حوله ليجّنب الأمة شر عداوتهم وتآمرهم عليها، بالإضافة إلى ما يلزمه هذا الدور من الوقوع في مواقف تستلزم من القائم عليه عدم التصريح بالحق أحيانا وذلك للسير في توازنات معينة في التعامل مع المذاهب الأخرى والملل والأديان المحرّفة بما تستدعيه المصلحة الأولى للأمة الشيعية فيضطر كثيرا إلى أن لا يبدي رأيًا لأجل أن يمنع وقوع الاحتراب والاقتتال فيما لا أولوية له وما شابه، إلى آخر ذلك من تكليف خاص بصاحب الدور القيادي، مما يعني أن أداء هذا الدور القيادي يقيّد حرية المصلح فيجعله غير قادر على أن يسير دوما بمنهج أبي ذر الغفاري وأمثاله فلا يكون بعد ذلك حرًا في أقواله وأفعاله في أسلوب دعوته.