بيان الشيخ حول الهجمة الناصبية المتوحشة على مدينة بلد المقدسة

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2007 / 11 / 23

صدر عن الشيخ ياسر الحبيب البيان التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

يعيش إخواننا المؤمنون من شيعة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في مدينة بلد المقدسة بالعراق الجريح في هذه الأيام ظروفا صعبة خطيرة حيث تكالبت عليهم العصابات الناصبية الإجرامية من الأنحاء والقرى المجاورة، فأغلقت المدينة وحاصرتها، وأخذت تلقي على أهلها الصابرين عشرات القذائف يوميا مخلفة وراءها عشرات الشهداء والجرحى بينهم نساء وأطفال! وبسبب هذه المحاصرة التي بدأت منذ نحو أسبوع وسط تعتيم وصمت إعلامي مريب؛ تناقص المخزون الغذائي للمدينة إلى حد مقلق، ما يهدّد بكارثة إنسانية حقيقية!

وتضم بلد المقدسة المرقد الطاهر لمولانا السيد محمد بن علي سبع الدجيل (صلوات الله عليهما) الذي هو ابن إمامنا الهادي وأخا إمامنا العسكري وعمّ إمامنا المهدي (صلوات الله عليهم)، وقد أصبح هذا الحرم الشريف الآن في معرض الخطر والتهديد، وأنفاسنا جميعا محبوسة خشية أن يستهدفه النواصب الأنجاس بالتفجير والهدم كما أحدثوا في سامراء المقدسة المحتلة.

وبلد المقدسة؛ مدينة من مدن الشيعة الأبرار الأوفياء الصامدين، وقد عاشرنا أهلها الطيبين ومكثنا فيها قرابة شهرين، فلم نرَ منهم إلا عمق الولاء لمحمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم) وعمق العداء لأعدائهم (لعنات الله عليهم)، وهم اليوم يعلّمون الآخرين درسا جديدا في التضحية والفداء والصبر، إذ بلغنا أنهم - رغم الأزمة التي يعيشونها - انبروا للدفاع عن مرقد سيدهم سبع الدجيل (صلوات الله عليه) وهم يرابطون للدفاع عن المدينة وحماية أهاليها مع ضعف إمكاناتهم.

إن ما يجري اليوم في بلد المقدسة هو فصل من فصول الحرب الناصبية المسعورة على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) إذ القصد واضح؛ وهو تصفية الوجود الشيعي في العراق، سيما في هذه المنطاق الحساسة التي يغلب فيها التواجد البكري، كمحافظة صلاح الدين التي تقع بلد فيها.

وليس من ذنب لأهالي بلد المقدسة عند هؤلاء النواصب المجرمين سوى أنهم تمسكوا بحبل الله المتين؛ ولاية محمد وآله الطاهرين عليهم الصلاة والسلام، ورفضوا ولاية الكفار والمنافقين والناكثين والقاسطين والمارقين. وإن أهالي بلد، لو لم يكن لهم شرف سوى صمودهم وإصرارهم على أن يبقوا قاطنين في تلك البقعة الشريفة إلى جوار السيد محمد سبع الدجيل (صلوات الله عليه) وسط هؤلاء الذئاب الوحوش؛ لكفاهم هذا الشرف العظيم في نيل شفاعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) يوم القيامة، فهم كدوحة وسط القفار، وكزهرة وسط الأشواك.

والحق والإنصاف أن نقول: أن شيعة بلد لم يُنصفوا ولم يكافَؤوا ولا عُرف قدرهم ولا أُحسن لهم بما يستحقون! فهم دائما المنسيّون، كما هو شأن شيعة سامراء، وشيعة تكريت، وبقية الشيعة في المدن ذات الأكثرية البكرية، الذين ذُبحوا وسُفكت دماؤهم واستُبيحت حرماتهم وهُجِّروا وبُعِّدوا.. دون أن يهتمّ أحدٌ إلا نادرا! وحتى ما أبداه بعضٌ من اهتمام لم يكن بالمستوى المطلوب الذي يوقف الجور ويقطع أيادي النواصب المعتدين.

فماذا يُنتظر أكثر من هذا؟! إنها حرب استئصال وإبادة موجهة ضد الشيعة وقد دفعوا ثمنا لها حتى الآن أكثر من نصف مليون شهيد خلال أربع سنوات فقط منذ سقوط النظام البائد!! وحسب الأرقام المعلنة تحديدا إنهم يربون على ستّمئة وخمسة وخمسين ألف قتيل! فماذا يُنتظر بعدُ؟! وماذا ينتظر أولئك الذين بيدهم الحكم بالجهاد؟! وإذا لم يكن كل ما جرى ويجري مسوّغا شرعيا كافيا للحكم بالجهاد فما الذي يكون إذن؟!

اتقوا الله يا هؤلاء! أ تنتظرون أن يفنى شيعة علي (عليه السلام) من الوجود وأنتم تنظرون وتنتظرون مؤتمر مصالحةٍ هنا واجتماعا سياسيا نفاقيا هناك؟! ألم تعوا بعدُ حجم الكارثة؟! ألا يكفيكم ما حصل ويحصل؟! أهذه سيرة النبي؟! أهذه سيرة علي؟! أهذه سيرة المهدي؟! ما لكم كيف تحكمون؟! وفي أي عصر تعيشون؟! وبمن تقتدون؟! وبأي فقه وأصول تأخذون؟!

كان الخوارج في ذلك الزمان قد قتلوا ثلاثة؛ رجلا وامرأته وبقروا بطنها فقتلوا جنينها.. فهبّ علي (صلوات الله عليه) لقتالهم حتى أفناهم! أما اليوم؛ فخوارج العصر قد قتلوا أكثر من نصف مليون إنسان، ومع ذا يقول من نسبوا أنفسهم إلى منهج علي (عليه السلام): لا موضوع للجهاد والحل بالمصالحة والوحدة!! سبحان الله! كتبنا الفقهية تعلّم طالب الحوزة في أولى مراحلها أن قتال البغاة المفسدين من أهل الملة أوجب وأولى من قتال الكفار المعتدين، ومع ذا يقول من نسبوا أنفسهم إلى العلم والفقاهة: الجهاد جهاد المحتل فقط!!

إن الواجب اليوم على كل مؤمن ومؤمنة السعي لإنقاذ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق الجريح، وإمدادهم بما يتمكنون به من الدفاع عن أنفسهم، وحماية وجودهم، وحفظ كيانهم. هذا واجب أصبح عينيا لعدم سقوطه بمن فيه الكفاية.

إنّا إن خسرنا العراق، وهو مهد الشيعة والتشيّع، فلن تبقى لنا في غيره بعد اليوم باقية.. فأفيقوا يا قوم! ويا زعماء القوم!

وأما هذه الحكومة الهشّة، الألعوبة بيد المحتلين، فلا تعويل لنا عليها بعد اليوم، فقد تمحّصت بمواطن الاختبار فأثبتت فشلها، وضعفها ووهنها، ولذا هي من اليوم فاقدة للشرعية، سيما وأن كل التضحيات التي بذلها أهل العراق الأصليون من الشيعة المؤمنين من أجل انتخابها وإيصالها إلى سدة الحكم؛ ذهبت هباءً منثورا!

إن هذه الحكومة رغم ما يجري حاليا في بلد المقدسة؛ تغط في سبات! فلا جيشا أرسلت، ولا حماية أمّنت بل ولا مواد إغاثة بعثت! بل هي تعتّم بشكل مريب على ما يجري هناك! فأية حكومة هزيلة هذه؟! لا يقلق منامها ولا يخرجها من جحرها إلا أبناء مدينة الصدر!! تعسا لها وللمحتلين الذين لا يحرّكون ساكنا إلا على الشيعة الذين يدافعون عن أنفسهم فحسب!! ماذا يُراد منا؟! أليس لنا الحق في الدفاع عن النفس؟! أليس لنا الحق في الأمان؟! أليس لنا الحق في الحياة؟!

فليهب الشيعة في كل مكان للدفاع عن إخوانهم في العراق، فإن البكريين النواصب احتشدوا من كل مكان هناك لإبادة الشيعة وقتلهم، ومن هم خارج العراق يرسلون أموالهم إلى من هم في الداخل مختوم على صُررها ”اقتل شيعيا نرسل لك المزيد“! فلتكن وقفتنا نحن جميعا في المقابل وقفة رجل واحد، من لا يقدر على الجهاد فليرسل تبرعاته للمجاهدين، ومن لا يقدر فليجاهد ولو بالكلمة واللسان، فإنها الحرب! الحرب على كل شيعي يوالي محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم.

هذا والواجب أيضا على جميع المؤمنين والمؤمنات أن يرفعوا أكف الدعاء والابتهال إلى الله المولى القدير أن يرفع هذه الغمة عن أهلنا في العراق، وأن يخصّوا بالدعاء شيعة بلد المقدسة الذين يتعرّضون الآن إلى أبشع حملات الإبادة والتصفية وهم غير قادرين حتى على إيصال نداءاتهم واستغاثاتهم للخارج بعد تطويق المدينة من الزمر الإرهابية الإجرامية!

كما نؤكد على المؤمنين ضرورة دفع الصدقة يوميا نيابة عن أهلنا في العراق كي يدفع الله عنهم البلاء ويردّه في نحور أعدائهم والكائدين لهم عليهم من الله اللعنة الأبدية. فقد اجتمعت على شيعة العراق قوى الشر والظلام في الداخل والخارج، سيما هذه الدول الأعرابية اللعينة.

وأما الشيعة المؤمنون في بلاد أوربا وأميركا، فدورهم في الضغط السياسي على حكومات تلك البلاد محوري ومهم في حل الأزمة، فلا يجب أن يبقوا جامدين هكذا، غير مبالين، مكتفين بالخطب الاستنكارية والمظاهرات! إن الحكومات هاهنا تحرّكها شعوبها وقنواتها السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية كمؤسسات المجتمع المدني مثلا، وعلى المؤمنين أن يتغلغلوا في تلك التنظيمات والمؤسسات ويكون لهم دور فاعل في تلك القنوات، ليتمكنوا من التأثير على سياسات الدول الكبرى، ثم إن ذلك بحدّ ذاته مستحب شرعا لما فيه من احتمال هدايتهم إلى الإسلام والتشيع بالإكثار من الاحتكاك بهم والتواصل معهم.

وبعد كل هذا؛ الأمل الحقيقي متعلّق فقط بصاحب الولاية المحمدية مولانا وإمامنا المفدى ونور عيوننا الحجة بن الحسن المهدي صلوات الله وسلامه عليه وأرواحنا وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء، فهو المنقذ لنا مما نحن فيه. اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه واجعلنا من أنصاره وأشياعه والمجاهدين تحت لوائه والمستشهدين بين يديه قريبا عاجلا يا كريم.

وإلى أهالي بلد نقول: إن الله معكم، ولن يَتِرْكم أعمالكم، وإن أهل البيت معكم، ولن يتأخروا عن إمدادكم، فلا تهنوا، ولا تحزنوا، ولا تدعوا إلى السَّلم، وأنتم الأعلون إن شاء الله، من قُتل منكم فالجنة مأواه، شهيدا عند الله، بيّضوا وجوهكم عند أئمتكم كما أنتم أهله، واصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله، لعلّكم تفلحون.

ياســــــر الحبيــــــب
شوال 1427 - لندن

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp