الشيخ الحبيب متحدثا عن آية الله السيد محمد رضا الشيرازي: كان نورا يمشي على الأرض

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2008 / 06 / 16

وسط حضور علمائي وجماهيري واسع أقامت «رابطة علماء الدين في بريطانيا» مجلسًا تأبينيًا لفقيد الأمّة الإسلامية سماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره) وذلك في حسينية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في لندن، اشترك فيه عدد من الأعلام منهم سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي وسماحة العلامة الشيخ عبد الرحمن الحائري وفضيلة الدكتور علي النجار.
وكان من بين المشتركين الشيخ ياسر الحبيب الذي ألقى كلمة مؤثرة عن الفقيد العظيم عرض خلالها بعضـًا من ذكرياته الشخصية عنه واصفا إيّاه بأنه "كان نورًا يمشي على الأرض".

واعتبر سماحته الشهيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي – أعلى الله درجاته – واحدًا من أعظم النماذج وأبرزها في الزمن المعاصر لتجسيد مكارم الأخلاق في الإسلام.

ناقلاً «حفظه الله» ومضات سريعة من واقع معاصرته له ومعاشرته إياه، أولها عدم استطالة السيّد المقدّس على أحد، مشددًا سماحته على أن السيّد الراحل لم يأخذه التكبر بسبب علمه ومرتبته العلمية السامية والرفيعة، فلم يكن ينفعل في أي نقاش ولا يرفع صوته على أحد بل أنه كان يلقي دروسه بشكل هادئ إلى أقصى درجة، وكذلك الحال حينما كان يردّ على من يُشكل عليه في الدرس بنفس أسلوبه الهادئ الذي كان يشد الانتباه.


وأضاف سماحته.. ذات مرة من المرات كان السيّد جالسا في السيارة مع أحد المجتهدين الذي كان يريد توصيله الى مكان معين، وكان ذلك المجتهد مجتهد قدير، فطرحت في السيارة مسألة علمية معيّنة كانت عبارة عن سؤال وجهّه ذلك المجتهد الى سماحة السيد محمد رضا ليعرف رأيه حول موضوع ما، فأجابه السيد بجواب وإذا بذلك المجتهد يرد عليه "احسنتم فعلاً هذا هو الجواب الصحيح".
ثم بعد برهة وإذا بالسيد ينقض جوابه الأول ويأتي بجواب ثاني فتفكّر ذلك الرجل بالفعل ورأى أن هذا الجواب الثاني هو الأصح؛ ثم بعد برهة قام السيد ونقض الجواب الثاني وجاء بجواب ثالث وإذا بذلك الرجل المجتهد يقول "احسنت هذا الجواب الأصح".
أي أن السيّد محمد رضا الشيرازي «أعلى الله درجاته» قدّم ثلاثة أجوبة في مطلب علمي واحد في مجلس واحد وكان الرجل الثاني مجتهدًا هو الآخر ولم يتمكن إلا أن يسلّم له في كل مرة بأنه قد أتى بالجواب الصحيح وأن جوابه تام وخالٍ من الإشكال والنقص وأن بإمكانه أن يأتي بأجوبة جديدة أصح من سابقتها.

واسترسل سماحة الشيخ الحبيب في الحديث عن تواضع السيد المقدس «رضوان الله عليه» مبيّنا كيفية تواضعه مع الجميع من الكبار والصغار، دون أخذه بالاعتبار الأعراف البالية التي تعارف عليها بعض المجتهدين، فكان «رحمه الله» يزور طلبة الحوزة المبتدئين جميعًا دون أن يتكبر على أحدٍ منهم، وأردف سماحته.. حتى أنه زارني أكثر من مرة وفي إحدى المرات كنت مريضا مرضا عاديًا فذهب وجاء لي بعد ربع ساعة يطرق الباب وفي يده أدوية شعبية أحضرها لي بنفسه مع أن الدنيا كانت ظهرًا والشمس حارقة صارفا كل ذلك الوقت من وقته الثمين ومشاغله الكثيرة؛ وقد زارني في مرة أخرى وكان يعلم أني مريضا هذه المرة فأصرّ إلا أن يعد لي شرابًا معينا بيده الشريفة ليفيدني في علاج ذلك المرض.

واستطرد سماحته.. كان السيّد إلى حدٍ كبير لديه حالة من إنكار الذات فلم يكن يعيش من أجل تفخيم ذاته، أذكر أننا جئناه ذات مرة في الكويت بعد أن استنسخنا له مجموعة من الأشرطة لإحدى محاضراته، كي نوزعها على المؤمنين فكتبنا على غلاف الأشرطة «محاضرة لسماحة آية الله السيد محمد رضا الشيرازي» وبعد أن طبعنا شئيا منها جئته بنسخة منها، واتذكر هذا الشيء جيدًا فبمجرد أن قدّمت له النسخة قال ”هذا اللقب احذفوه“ أي لقب ”آية الله“ مردفا ”لا أرضى بأن تكتبوا لي أو تصفوني بوصف آية الله“
فقلت له سيدنا أنتم حقـًا (آية الله) الجميع يشهد لكم باجتهادكم وبمقامكم العلمي السامي.
معقبًا سماحته.. وأنا بنفسي سئلت والده الإمام الراحل «رضوان الله عليه» عن اجتهاده فقال: «أنه مجتهد و مجتهد فائقٌ أيضا وأنا في حياتي نادرا ما رأيت مثله في علميته».
إلا أننا كنا نعمل بتكليفنا فقلت للسيد ذات مرة: «هذا المقام من حق الواصف لا من حق الموصوف».

وتطرق الشيخ الحبيب «حفظه الله» إلى جانب من تهذيب السيّد الراحل للنفس قائلاً.. كنت في بعض الأحيان أسايره بعد انتهائه من إمامة الصلاة في المسجد بالكويت إلى محل سكنه وهو في المبنى المجاور في شقة بالأعلى، أي كنت أسير معه بضع خطوات أسأله فيها وأستفيد منه ومن علومه فكان يفاجئني بأنه عندما يطول البحث بيننا يضطر أن يقف على باب منزله ولم يكن يقبل أن يقف بالظل وإنما كان يصر على أن يقف تحت الشمس ويقابل الشمس مباشرة بحيث تكون الشمس على وجهه، وعندما كنت أقول له ”فلنقف بالظل“ كان يقول لي ”قف أنت بالظل وأنا أقف بالشمس لعنا بهذا نستشعر شيئا من حرارة جهنم {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا}“.

ووصل الحديث بالشيخ إلى زهد السيّد الراحل «أعلى الله درجاته» فأضاف.. أن السيّد الراحل حينما هاجر من الكويت إلى قم المقدسة كانت ثيابه بالية إلا أنه كان يرفض استبدالها لحين أن اضطر جماعة من السادة الأكارم من آل القزويني إلى أن يحوطوه من كل جانب ومعهم الثياب الجديدة وقالوا له إن لم تقبل بتبديل ثيابك إلى الثياب الجديدة فنحن سنقوم بذلك وبالقوة! فقبل بالأمر.

وعن تضحيات سماحة السيّد قال سماحة الشيخ الحبيب.. أتذكر ذات مرة أن السيّد كان يكتب بنفسه منهجًا مبسّطًا لطلبة المقدمات في الحوزة بالكويت وهو يعاني من ألم شديد في ظهره يأتيه بين حينٍ وآخر يجعله لا يتمكن أن يؤدي الصلاة إلا إيماءًا، ولأنه كانت من مهماتي متابعة أمر هذا المنهج وتوزيعه أتصلت بسماحة السيد لأخبره أنه إذا ما كان المنهج جاهزًا فلنرجأ أمر طباعته إلى وقتٍ آخر إلا أنه لم يقبل وأصر إلا أن يكتب المنهج بنفسه ولو بمعاونة الآخرين وهو ممدد على الفراش ويلقي الكلام ليدونه غيره، مضحيًا لذلك براحته من أجل طلبة العلم.

وفي الختام أكد سماحته على صحة كلمة السيد المرجع «دام ظله» أن السيد محمد رضا الشيرازي كان أملنا لمستقبل الإسلام، فضلاً عن كونه باعثا للأمل في نفوس الناس لأن نور وجهه كان يزيح هموم وغموم الناس عندما يتكلمون معه فيشعرون بسببه بالراحة



(*) للاستماع إلى الكلمة

(*) للمشاهدة اضغط هنا

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp