بيان الشيخ الموجه للطائفة البكرية في الكويت: ليس وطنكم وحدكم!

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2008 / 11 / 21

إزاء التطورات الأخيرة المؤسفة في الكويت أصدر الشيخ ياسر الحبيب البيان التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

تعيش الكويت هذه الأيام حالة تُنذِر بشؤم كبير إذا استمرّت لا قدّر الله تعالى، وهي تهدّد جدّياً أسس ومقوّمات بقاء الدولة، فثمة عصابة إرهابية متعجرفة تريد الاستيلاء على هذا الوطن واحتكاره وفرض أحكامها عليه، وتستهدف في المقام الأول شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بغية تحطيم كيانهم المعنوي وإنهاء وجودهم الاعتباري، ثم هي تستهدف غيرهم من فئات الشعب التي لا تتوافق معها في عقيدتها الخرافية وأفكارها المنغلقة.

وكان المنتظر والمتوقع من الدولة أن تنهض بواجباتها فتحاصر هذه العصابة الإرهابية وتوقفها عند حدّها وتعالج الذين وقعوا تحت تأثير الصخب الذي تُحدثه، إلا أن ذلك لم يكن، والأسوأ منه أن الدولة رضخت لابتزازات هذه العصابة ودخلت معها على خطّ المساومات السياسية حتى وإن كانت تتقاطع مع النظام والدستور وتمسّ إيمان شريحة كبرى من شرائح المجتمع. وهكذا ظلّت الدولة مع شديد الأسف تقف موقف المتفرّج على انفراط العقد الاجتماعي الذي يحكم الكويتيين والذي كان راسخاً متأصلاً منذ عقود.

لسنا بصدد الردّ تفصيلياً على ما تسوقه هذه العصابة الإرهابية المتعجرفة من حجج لتبرير تكالبها على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) فكل من له مسكة من عقل يعلم بأنها - أي الحجج - ليست سوى قميص عثمان، وما تسمّيه «تطاولاً على الصحابة وأمهات المؤمنين» أبعد ما يكون عن الواقع، فحقيقة الأمر أن الشيعة طبقاً لتراثهم الديني والمعرفي يرفضون تقديس الماضي وشخصياته بخلاف غيرهم من الطوائف، فيبحثون ويحقّقون بهدف الوصول إلى نتائج علمية تحدّد موقفهم من تلك الشخصيات، فإذا كانت صالحة احترموها، وإذا كانت طالحة ذمّوها، مهما كان موقف الغير منها، فإن الذي يكون طالحاً في نظر الشيعة تنسلخ عنه صفة «الصحبة» وما أشبه. هذا هو منهج الشيعة سواءً قَبِل به غيرهم أم لم يقبلوا، فإنه يبقى منهجهم الذي يعتزّون به ويفخرون.

نقول أننا لسنا بصدد الرد تفصيليا على ما تدّعيه هذه الفئة الإرهابية المتعجرفة غير أننا نريد توجيه رسالتيْن مهمّتين:
الرسالة الأولى؛ هي لمن يهمّه الأمر في الحكم حيث نقول له: إن الدولة حين تقف عاجزة أو ضعيفة عن النهوض بواجباتها في الحفاظ على حقوق وواجبات فئات الشعب، وتسمح بتجاوز فئة على أخرى وتدخّلها في مساجدها وحسينيّاتها وفعالياتها الدينية وعلمائها فتحدّد مَن يقيم منهم ومَن يرحل.. حين تقف الدولة هذا الموقف الضعيف فإن الفئة التي تشعر بأنها مغبونة مظلومة تضطر لأن تتحرّك لتصدّ عن نفسها بنفسها بعدما تخلّت عنها الدولة، وليس من وراء ذلك إلا الدمار والانهيار كما يعلم الجميع. إن الكويت بحاجة اليوم إلى عقد سياسي جديد ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وعقد اجتماعي جديد ينظم العلاقة بين فئات الشعب وطوائفه، وإلى حكومة قوية ذات هيبة ترمّم التصدّعات التي وقعت في نظام الدولة وتنقذها من الأزمات الخطيرة والمتلاحقة التي تعصف بها.
وفي جزئية العقد الاجتماعي، نرى من جانبنا ضرورة العودة إلى ما كانت عليه الكويت قبل بروز هذه الفئة الإرهابية المتعجرفة والطحالب السلفية الوهابية، حيث كان الشيعة يتمتعون بحقوقهم، وكان خطباؤهم وأئمة جماعتهم يطرحون ما شاءوا من قراءاتهم الدينية والتاريخية دون تحسّس من أحد ما دام ذلك يجري في مساجدهم وحسينياتهم ودوائرهم، محافظين بذلك على توارث عقيدتهم وتعليمها لأجيالهم، ومراعين في الوقت ذاته شركاءهم في الوطن إذ لا يفرضون قراءاتهم تلك عليهم. ويعلم الجميع أنه مهما اختلفت قراءة الشيعة في الكويت عن قراءة شركائهم في الوطن للعقيدة والتاريخ فإنهم لا يجعلون لذلك ترجمة فعلية على أرض الواقع تؤدي إلى استئصال شركائهم أو التخلي عنهم، وما واقعة الغزو الصدّامي عنّا ببعيدة حيث امتزجت الدماء دفاعاً عن هذا الوطن وأهله ولم يكن الاختلاف الديني والمذهبي حائلاً دون ذلك.

الرسالة الثانية؛ نوجّهها إلى شركائنا في الوطن فنقول لهم: إن الشيعة في الكويت مؤسسون لهذا الوطن كما أنتم، وكنتم وإياهم في ما مضى نموذجا للتعايش السلمي الطبيعي رغم الاختلاف، وكان الوطن يستوعب التناقضات العقدية والمذهبية بشكل لافت للنظر إذ كانت هناك دولة متّزنة وصنّاع قرار حكماء، غير أن الذي يجري في السنين الأخيرة – حيث ظهرت الطحالب الوهابية - ينسف هذه المعادلة، والمسؤولية تقع عليكم إذ سمحتم لعصابة إرهابية متعجرفة بأن يطغى صوتها عليكم وأن تُخضعكم لتأثيرها وتستجرّكم لمواجهة تهدم أسس المجتمع، وأنتم عالمون بأنه لا يمكن للشيعة أن يتخلّوا عن موقفهم الرافض لبعض الشخصيات التاريخية التي تقدّسونها وتحترمونها، فالتعايش يقتضي منكم أن تقبلوا بهذه الحقيقة ولا تفرضوا وصايتكم على شركائكم في الوطن، كما أن شركاءكم لا يفرضون عليكم وصايتهم، وإلا فهل تسمحون للشيعة مثلاً بأن يطالبوا بمنع دخول خطبائكم الذين يترضّوْن عن بعض الشخصيات التي تقدّسونها بحجة أن الشيعة يعتبرونها من قَتَلة وظَلَمة أهل البيت عليهم السلام؟!
إن معنى التعايش أن تتعايش مع الذي يختلف عنك وتقبل به كما هو، لا كما تريد أنت وإلا لم يكن تعايشاً!

إن الذي تتذرّع به العصابة الإرهابية المتعجرفة لمواجهة الشيعة وخطبائهم ونشاطاتهم كان يجري منذ بداية نشوء الكويت فما الذي استجدّ الآن؟! إنه إنْ كانت قضية انفتاح خطباء الشيعة على التاريخ ونقدهم شخصيات تاريخية في مساجدهم وحسينياتهم – وإن كانت محترَمة عند الغير – موجبة كما تزعم العصابة لتهديد السلم الأهلي والوحدة الوطنية فلماذا لم نَرَها تهدّد منذ نشوء الكويت قبل ثلاثة قرون؟! ما الذي تغير الآن؟!
إن هذا الوطن وطننا جميعاً، ليس وطنكم وحدكم. فلنتعايش فيه دون أن يصادر أحدٌ منّا حقوق الآخر ويفرض عليه وصايته الدينية أو الفكرية، وليستوعب الوطن كما كان تناقضاتنا واختلافاتنا، ولتكن الدولة قوية وليُعاد بناء نظامها من جديد، وإلا فإن المستقبل لا يبشّر بخير.

ياسر الحبيب
التاسع عشر من ذي القعدة لسنة 1429 من الهجرة النبوية الشريفة

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp