الشيخ الحبيب يناقش ويرد كلمة “البالون” الانحرافية بنسبة الفشل لمقام أمير المؤمنين عليه السلام، ويشدد على وجوب التكاتف لعزل المتكلم عن المحيط الشيعي

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp

2014 / 06 / 30

عد خيبة أمل من انتظار ردود فعل قوية من أصحاب النفوذ بالحوزات العلمية في قم المقدسة، قرر سماحة الشيخ الحبيب مساء الجمعة الموافق للسابع من شهر شعبان لسنة 1435 هجرية قطع سلسلته البحثية التي تبث أسبوعيا على قناتي فدك وصوت العترة عليهم السلام، بعنوان "لا تغتروا بمن يسمون الصحابة" وذلك للرد على مستجدات الأحداث التي تمثلت إحداها بتطاول أحد منتحلي الاجتهاد والمرجعية على مقام الخليفة الأول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما، إذ استخدم وبكل وقاحة مفردة "الفشل" ونسبها إلى الإمام حال الحديث عن سياسته في الحكم، مردفا دعوته لمتابعيه للاستفادة من فشل الأمير - حاشاه - وتجاوز ذلك في مسيرتهم كي ينهضوا!

الشيخ الحبيب أعرب عن ألمه الشديد لوصول الخبر إليه متأخرا حيث كان ذلك "البالون" قد قاء كلمته هذه فيما يسمّيه هو درسا حول تعارض الأدلة، بُث على قناة الكوثر الإيرانية بتاريخ 16 ربيع الأول 1435 هجرية على الهواء مباشرة، وأكد سماحته على أن ما تضمنه حديث البالون لا ربط له بموضوع تعارض الأدلة في علم الأصول لا من قريب ولا من بعيد وإنما هو حشو من اللغو والكلام الإنشائي الفارغ والمحتوي على كثير من الطامات والكلمات الإنحرافية التي فيها تجاسر على مقام المعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم، ومخالفة منهج الرافضة الأبرار.

وأفاد الشيخ الحبيب بمحاضرته التي سمّاها بمقولة الإمام علي عليه السلام “لا يردع الجهول إلا حد الحسام” بأنه بعد التغاضي عن كافة الانحرافات الأخرى لهذا البالون فيما جاء بتلك الكلمة، كتعبيره عن انقلاب السقيفة بأنه "انقلاب أبيض غير دموي" والذي يدل على جهله بأن كلمة الرافضة قد اجتمعت على أن هذا الانقلاب كان انقلابا دمويا أسود ضحيته كانت دماء الزهراء عليها السلام ودماء ولدها المحسن الشهيد إلى جانب دماء المسلمين الذين رفضوا مبايعة الطاغية الأول أبي بكر لعنه الله، والذي قاتلهم بعنوان الحرب ضد مانعي الزكاة.
وكقوله أن إجراءات النبي (كدعوته لمبايعة علي بن أبي طالب يوم الغدير والتحذير من خذلانه ومخالفته، وما شابه ذلك) لم تفلح ولم تنجع ولم تنفع لمنع الأمة من الانحراف بل نفعت الانقلابيين، وقوله أن الجهلة والمتخلفين عقليا يقولون أن أصحاب النبي كلهم ارتدوا من بعده إلا بضعة أشخاص، مع أن هذا القول هو قول الأئمة الأطهار عليهم السلام، بالإضافة إلى تمجيده بالداعية البكري اللبناني الهالك عبدالله العلايلي الذي شارك في كتابة لوائح حزب البعث، بتصويره على أنه من (المحققين المنصفين) والذي من (إنصافه) أنه كان له فصل بأحد مؤلفاته عن الإمام الحسين عليه السلام بعنوان: "أسباب فشل سياسة علي ونجاح السياسة المعادية"، ومن (تحقيقاته) قوله المتهافت بأن الذين قتلوا عمر بن الخطاب هم الأمويون!

بعد التغاضي عن كل هذه الأقوال تبقى كلمة هذا البالون التي قال فيها: (أنا أشير إجمالا كيف أن عليا فشل، حتى نأخذه درسا، إذا أردنا أن ننهض فلابد أن نعالج أسباب الفشل) هي الكلمة الأخطر فيما جاء بخطاب هذا المنحرف، لكونها تعدي خطير وغير مسبوق على مقام المعصومين فيلزم بالتالي التصدي له في بدايته قبل أن يصبح ثقافة شيعية عامة مع مرور الوقت.

وأشار الشيخ الحبيب بأنه قد بعث برسالة خطية إلى المرجع الشيخ الوحيد الخراساني في قم المقدسة يناشده فيها للتدخل بوضع حد ضد تمادي هذا البالون وجنايته على مقامات أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم، ولكنه انصدم بالجواب الذي جاءه عبر الوسائط، والذي ينم عن اتساع مدى الغفلة في التفطن لمواطن الانحراف، حيث كان الجواب إجمالا من أحد المقربين جدا للشيخ الوحيد حول الموضوع بأن المذكور قد أساء التعبير أما أنتم فقد أسأتم الفهم، فمقصوده هو أن الأمة لم تساعد عليا فلذا فشل، فكأن حديثه لوجود المانع لا لعدم المقتضي! وثم بكل الأحوال نحن نعلم بأنه هذا الرجل منحرف ولكن نفضل أن نتعامل معه كما وجدنا بأحد الآثار أن السحرة قالوا لفرعون بأن موسى إن كان محقا فسيخزينا وإن كان مبطلا فسنرفع من شأنه، فنحن كذلك نتعامل مع هذا المنحرف على هذا الأساس فنرى أنه ليس من الصلاح التصدي له.

من جهته أكد الشيخ الحبيب بأنه لم يكن يرغب بأن يعطل دروسه الأسبوعية في نقض عقائد المخالفين كي ينشغل بالرد على فتنة هذا البالون، لولا خلو الساحة ممن يفي بمؤونة لجم هذا المنحرف، قبل أن يوجه سماحته الدعوة لطلبة العلم والعلماء والمحققين لينظروا بما سيظهره في بيان وجه الانحراف ومكمن فداحة الخطب في كلام هذا المتكلم، راجيا منهم أن ينتبهوا من غفلتهم وأن يبتعد البعض عن لغة التعالي وصم الآذان عن سماع النصائح.

وأضاف سماحته أن كلمة هذا البالون تحتمل احتمالين:
الأول: أما أنه قصد من نسبة الفشل لأمير المؤمنين عليه السلام بأن الإمام كان مقصرا في إنجاح مشروعه الإسلامي. فهذا انحراف واضح لا مراء فيه. واستكمالا لهذا الإحتمال أن يكون قصده أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قاصرا عن أداء النجاح في مشروعه ولذا فشل فيه. فهذا أيضا انحراف واضح ولا مراء فيه.

الثاني: أنه يقصد أن المجتمع لم يعن أمير المؤمنين فلذا فشل، وهذا هو التملص والملاذ الوحيد له لتفسير كلامه، فهنا نقول: على هذا يكون التقصير من المجتمع فلم نسبة الفشل إلى الإمام عليه السلام؟ الذنب بعواتق الناس لأنهم هم الذين عصوا وأعرضوا عن نصرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهذا كنسبة الفشل إلى الطبيب الناجح لأن المريض لم يعنه بأخذ الدواء.

فهنا يكون أمامه فرضين:
- الأول: هو أن يصر على نسبة الفشل لأمير المؤمنين عليه السلام، بخلاف المنطق اللغوي والعرف الاستدلالي الذي لا يجيز نسبة الفشل إلى شخص ما والفاشل سواه، فيكون هذا انحرافا واضحا منه.

- الثاني: هو أن يكون جاهلا لا يعرف تمييز هذه المعاني، فهذا أيضا انحراف وإثم لا يعذر فيه لأنه ليس من العوام بل أنه يحسب نفسه من العلماء بل ويدعي المرجعية، فإفتاءه بغير علم هو إثم عظيم مدان في القرآن الحكيم والسنة المطهرة، ولا انفكاك في أن القول بغير علم سواءا كان على الله أو على المعصوم، فأنه يكون إضلال للناس، فإن أدعى بأنه لم يكن يميز دلالة الكلمات التي استخدمها كان بهذا ظالما كما نص القرآن الكريم: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم - إن الله لا يهدي القوم الظالمين).

واسترسل سماحته في بيانه أنه لا جذر يوجد لهذه المفردة الشنيعة في وصف المعصوم بالكتاب أو السنة المطهرة، وعليه فالأمر بحد ذاته إثم لأنه قول بالرأي بلا حجة شرعية فحتى إن لم تكن هذه الكلمة لها دلالة لغوية شنيعة يكون المرء آثما عند قول ذلك في حق المعصوم، ومثال ذلك أنه تجد بعض الخطباء يردد أن الله تعالى قد شرف الكعبة لعلمه بولادة علي بن أبي طالب فيها فجعلها قبلة للمسلمين من زمن النبي إبراهيم عليه السلام، مع أنه لا يوجد نص شرعي يؤكد صحة هذا القول في تشريف الكعبة عند الله، فهذا الكلام - والذي ليس فيه شناعة - هو بحد ذاته إثم عظيم لأنه افتاء بغير علم، فلعله يظهر عند القيامة أن تشريف الكعبة من الله كان لأمر آخر، فكيف لا يكون كلام هذا الجاهل إثما عظيما وهو يحمل دلالة شنيعة وتنقيص للمعصوم كما سيأتي؟

ثم أنه لو خرجَ متنطع ليدافع عن هذا الرجل فقال: أن مقصوده ليس كما تهولون فيما تبادر لديكم وإنما هو يقصد أن عليا عليه السلام كانت لديه تطلعات لتصحيح الاعوجاج وكانت له رغبات ولكن ما كان يأمله لم يتحقق فكأنه بهذا المعنى الاعتباري المجازي كان قد فشل!
فسنقول في الرد على هذا الجواب: إنه أيضا كلام باطل لا يمكن به تسويغ ما نطق به هذا المنحرف، لأن عقيدة الشيعة تقوم على أساس أن إرادة المعصوم لا تنفك عن إرادة الله عز وجل، فالمعصوم لا يحرك ساكنا ولا يهدف إلى شيء ولا يتمنى شيء إلا ما أمره الله تعالى به، ففي الروايات أنه تنزل وصية خاصة من السماء لعمل الإمام فيقرأها ويعمل بها في مسيرته وإذا جاء أجله يدفعها لمن يأتي بعده. (راجع بصائر الدرجات/ صفحة 170) كما جاء عنهم عليهم السلام ما نصه: إن شاء الله شئنا.
وعليه فليس المعنى أن الله أراد للناس الكفر والانحراف وإنما المعنى أن إرادة الله بأن يكون البشر مخيّرين في أعمالهم مع إقامة الحجة عليهم قد تحققت، فهنا يصير القائل وكأنه يقول: "أن الله فشل" والعياذ بالله، بينما الله لم يفشل وإجراءات النبي (صلى الله عليه وآله) نجحت، وكذلك الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لم يفشل في شيء، وعليه نقول: أية مشيئة أرادها الله ولم تتحقق؟
أن هذا القول مشابه لقول من يأتي لمن كانت مشيئته بناء بيت من طابقين وقد انجز بناء البيت كما أراد، فيقول له: أنت فاشل في بنائك هذا لأنك لم تبن البيت بخمس طوابق!

وكمثال أكثر وضوحا نقول أن هذا القول لهذا القائل كقول من يقول بأن الإمام الحسين عليه السلام فشلَ في كربلاء، لأنه ذهب لكي ينتصر ولكنه لم يستطع فانهزم عسكريا، فتوطد حكم يزيد، والجواب عليه: أن الحسين نجح في كربلاء لأنه لم يكن هدفه الوصول للحكم والسلطة وإنما ذهب للاستشهاد، ولذا نجح في هدفه المراد من الوصية الإلهية له فانتصر.

ثم أن كلمة (الفشل) هي كلمة تنقيص، في القرآن وفي اللغة وفي الروايات وفي الاستعمال العرفي، إذ هي تزري بالمرء فكيف يمكن نسبتها إلى المعصوم؟

● في اللغة: راجع (لسان العرب لابن منظور – مادة فشل) تجد ما يلي نصه:
الفشـَل: الفزع والجُبن والضعف، الفشِل: الرجل الضعيف الجبان والجمع أفشال، فشل الرجل فشل فهو فشِلٌ كسِلَ وضعفَ وتراخى وجبُنَ. وعليه فمعاني كلمة الفشل في اللغة تدور حول معنى التنقيص.

● في القرآن: راجع المعاني الدالة لكلمة الفشل في قوله تعالى: {إذ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، و {ولقد صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} "في سورة آل عمران". وقوله تعالى: {إذ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} و{وأطيعوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} "في سورة الأنفال"، تجد أن كل موارد استعمال كلمة الفشل جاءت في الذم والتنقيص.
● في الروايات: راجع ما جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام بكتاب (نهج البلاغة) حيث جاء ما هذا نصه: (ومن كلامٍ له عليه السلام: وقد أرعدوا وأبرقوا ومع هذين الأمرين الفشل، ولسنا نُرعد حتى نُوقِع ولا نسيل حتى نمطر) فهنا جاءت هذه الكلمة من الأمير للتعريض بأعدائه، كما جاء عنه عليه السلام أيضا في كتاب (الخصال) للشيخ الصدوق: (الإيمان على أربع دعائم: على الصبر واليقين والعدل والجهاد... والعتو على أربع شعب: على التعمق، والتنازع، والزيغ، والشقاق. فمن تعمق لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات، فلم تحتبس عنه فتنة إلا غشيته أخرى، وانخرق دينه، فهو يهيم في أمر مريج ومن نازع وخاصم قطع بينهم الفشل وذاقوا وبال أمرهم، وساءت عنده الحسنة، وحسنت عنده السيئة، ومن ساءت عليه الحسنة أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره وضاق عليه مخرجه، وحري أن ترجع من دينه، ويتبع غير سبيل المؤمنين.) فهنا أيضا جاءت مفردة الفشل بمعنى التنقيص والإزراء.
وراجع أيضا ما جاء في الصحيفة السجادية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: (من دعائه عليه السلام في المهمات: وأعوذ بك من الفشل والكسل والعجز والتفريط والعجلة والتضييع والتقصير والإبطاء)، فهنا المعصوم يعوذ بالله من الفشل، الذي جاء بمعنى التنقيص، فكيف يقع فيه؟
فضلا عن أنه قد ورد في كتاب (المناقب) لابن شهرآشوب أنه راية أمير المؤمنين عليه السلام كان مكتوبا عليها هذين البيتين: (الحرب إن باشرتها فلا يكن منك الفشل، واصبر على أهوالها لا موت إلا بالأجل) فهذين البيتين ينزهان الإمام عن الفشل، وبعد هذا يأتي هذا المنحرف الضال وينسب الفشل للإمام!

ثم إذا تنزلنا وقلنا أنه ليس في نسبة الفشل إلى المعصوم (صلوات الله عليه) أي تنقيص، فأن هذه الكلمة مفضية إلى الحط من رتبة المعصوم، واستعمال التعابير والأوصاف التي تفضي إلى الحط من رتبة المعصوم على الدوام هو أمرٌ محرّم شرعا، فمثلا لو استخدمنا عبارة (الترضية) للأئمة الطاهرين بدلا من استخدامنا عبارة (الصلاة والتسليم)، فأن وقع ذلك على الأسماع يكون حطا من قدر المعصوم وإن ورد هذا اللفظ ببعض الروايات النادرة، إلا أنه بالميزان الفقهي يحرم شرعا خصوصا إن كان على نحو الدوام والاستمرار مع أن العبارة بحد ذاتها لا إشكال فيها ولا تنقيص للمعصوم ولكنها لا تليق بالمعصومين لأنها تساويهم بغيرهم.
فضلا عن ذلك فأنه أحيانا قد يكون من المخالفة الشرعية عدم استخدام اللفظ المناسب في الظرف المناسب، فيرتب على القائل عقابا وإثما وإن ورد قوله نصا في السنة المطهرة، فمثلا جاء في الزيارات التسليم على الأئمة مع تجريدهم من ألقابهم ولكن ببعض الموارد الخاصة يحرم التسليم على الأئمة بتجريدهم من ألقابهم وإن لم يكن في القول تنقيص وإزراء.
راجع مثلا ما رواه رافع بن سلمة عن الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، حيث روى بأنه في يوم النهروان، كان عليا عليه السلام جالسا فجاءه فارس فقال له: السلام عليك يا علي، فأجابه الإمام: وعليك السلام مالك ثكلتك أمك.. لم تسلّم علي بإمرة المؤمنين؟ (الكافي/ جزء 1/ باب: ما يضل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة/ صفحة 345/ حديث 2)
فهنا لم يكن أمير المؤمنين عليه السلام يريد تفخيم نفسه كما يفعل الحكام العرب اليوم، ولكنه تعامل مع القائل معاملة التمرد لمضاهاة قوله لرؤية الخوراج الذين حاربوا عليا عليه السلام في النهروان، فلهذا الظرف أجابه بهذه الشدة وإن كان في ظرفٍ آخر لكان جوابه «صلوات الله عليه» مختلفا، وإن كانت مقولة القائل (والذي كان مترددا بين الحق والباطل) بخلاف ما هو مطلوب شرعا في الآية: {لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا}، وعليه يتبيّن أن ظرف الكلمة ووقعها على الأسماع مما يجب ملاحظته وإن كانت بذاتها مباحة وليس فيها إساءة وإثم، أو حتى لو كانت الكلمة الطيبة كعبارة (رضوان الله عليه) فأنه لا يجوز استخدامها في حق المعصوم لأن فيها حط من قدره، فكيف باستخدام كلمة الفشل؟

● وجه آخر للانحراف: قام هذا البالون بمصادقة قول المخالف بدلا من ردّه، فبدلا من أن يأخذ توصيفات أعمال أمير المؤمنين عليه السلام من الأئمة الطاهرين وتابعيهم وجدناه يأخذها من مخالفيهم. فلو أنه رجع إلى ما جاء عن أنصارهم وشيعتهم لوجد مثلا تلك الرواية التي تردد على المنابر بذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب «عليهما السلام» عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قد جاء رجل باكيا وهو مسرع مسترجع، تبيّن لاحقا أنه الخضر «عليه السلام» فكان من ضمن توصيفاته للأمير "فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا" (الكافي الشريف/ جزء 1/ صفحة 454)
فنسبة الفشل منفية عن الأئمة الطاهرين، إلا أن هذا المنحرف وافق أعداء أهل البيت في مقولتهم، فهذه المقولة (نسبة الفشل للأئمة المعصومين) هي مقولة العدو، وعلى سبيل المثال وردت هذه المفردة بكلمات المنصور الدوانيقي طاغية بني العباس «لعنة الله عليه» في خطبة له تطاول فيها على الإمام أمير المؤمنين وعلى الإمامين الحسن والحسين «صلوات الله عليهم أجمعين» بعدما حدثت بلبلة بصفوف جنده وحاشيته إثر اعتقاله لجماعة من العلويين وزجهم بالسجن، فكان مما جاء في خطبته المسيئة: “إن ولد أبي طالب تركناهم – والذي لا إله غيره – والخلافة ولم نعترض لهم لا بقليل ولا كثير، فقام فيها علي بن أبي طالب فما أفلح، وحكم الحكمين فاختلفت عليه الأمة وافترقت الكلمة، ثم وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه، وقام من بعده الحسن بن عليه فوالله ما كان برجل، لقد عرضت عليه الأموال فقبلها ودس إليه معاوية: أني جاعلك ولي عهدي فخلعه، وانسلخ له مما كان فيه وسلّمه إليه، وأقبل على النساء يتزوج اليوم واحدة ويطلق غدا أخرى، فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه”. (مروج الذهب/ جزء 3/ صفحة 301)
وبيّن الشيخ الحبيب نقده لهذه النظرية العباسية التي تبناها البالون والتي تفسر النجاح بالواقع الظاهري، مشددا على أن النجاح مرهون باستبقاء اسم الإسلام وتعاليمه التي جاءت طبق ما جاء عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبمثال تقريبي فإن الإسلام الذي جاء به علي وفاطمة والحسن والحسين «صلوات الله عليهم» كان كإشعال شرارة نار في غابة للوحوش، فصارت النار تأكل مما حولها تدريجيا وأخذت تتوسع دون أن تهدأ وتنطفأ، حتى ضج منها الوحوش لآثارها العظيمة، فمنهاج علي عليه السلام نجح بتثبيت الإسلام مهما حاربوه أعداءه وسيبقى يلتهم منهج الباطل حتى يفنيه.
ومن ناحية أخرى شدد الشيخ الحبيب أن الواجب الشرعي هو التحرز عن ذكر ما يصبح شعارا ظاهرا من مقالة المخالفين، حتى وإن لم يكن فيه حط من مقام الأئمة المعصومين، منوهاً إلى مورد الآية الكريمة: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا} في سورة البقرة، حيث ورد بالتفاسير أن كلمة (راعنا) التي لم يكن فيها إشكال بالبتة قد جاء نهي الله عنها لأنها كانت كلمة اليهود المخالفين للإسلام آنذاك، حيث كانوا يقصدون بها معنى آخر مسيء للنبي وفق لغتهم العبرانية.

وأشار سماحته إلى أن كلمة البالون: (أنا أشير إجمالا كيف أن عليا فشل، حتى نأخذه درسا، إذا أردنا أن ننهض فلابد أن نعالج أسباب الفشل) هي كلمة أشد وقاحة من كلمة المدعو بالعلايلي (أسباب فشل سياسة علي ونجاح السياسة المعادية)، إذ أن هذا الداعية البكري نسب الفشل لسياسة أمير المؤمنين بينما هذا البالون نسب الفشل إلى الأمير مباشرة، ولا يمكن تحوير كلامه وإخراجه عن معناه، فأن تتمة كلمته تبيّن مقصده الذي يريد أن يشير إليه وهو أن علينا ننزه أنفسنا عن فشل أمير المؤمنين عليه السلام حتى ننهض بالأمة، على حد زعمه، ولو راجع هذا البالون أقوال علماء المخالفين ممن هم أعلم من هذا الداعية البكري المذكور لوجد فيهم من أدان هذه الكلمة وتحدث بصراحة عن نجاح سياسة أمير المؤمنين عليه السلام.
وقبيل الختام شدد الحبيب على ضرورة أن يتصدى أهل العلم لهذا المنحرف وكلمته، حتى لا تصبح كلمة سائدة في الثقافة الشيعية، مناديا بالعمل بوصايا أئمة أهل البيت عليهم السلام في تصديهم للمنحرفين بالداخل الشيعي وعزلهم عن المحيط العام إلى أن يموت باطلهم.

شارك الخبر على Google Twitter Facebook Whatsapp Whatsapp